كانت ليلة الأحدكانت ليلة الأحد
كان دأبنا في كلّ ليلة أحد أن ننتظر منّة الشّمس التي تتفضّل علينا بالسّكون المظلم .ومن طول الانتظار يوشك عقد الشّوق أن ينفرط لذلك قرّرنا هذا اليوم أن نبرهن للناس ولأنفسنا على أن الشّمس لا تصنع الوقت
كنا نسير في إتجاه مغرب الشّمس ,لم يكن للتعب علينا من سلطان ولا العطش كان يثنينا عن حثّ الخطى إلى حيث مغرب الشّمس ...كان لا يزيد على "فلنسرع قبل أن يبتلعها الأفق"كان ذلك هدفه مذ خرجنا في الفجر نسبقها إلى العين الحمئة ...كنّا نركض, أحيانا, ككائنات أسطوريّة أو كرسوم متحرّكة أو كذكرى لا تعطش ولا تجوع ...نركض ونركض في إتجاه واحد تأخذنا إليه الغريزة ...كنا نركض والعصوان كانتا تتحدّيان وهم الظّلال بحركتهما الدّائريّة التي تملأ الفراع ...قال لي عندما لامست الشّمس الأفق :"لندر العصوين ولنرسم بهما قرني الشيطان لتخشانا الأبالسة ويفزع الفناء وندرك الشّمس وهي توطّئ للنّوم ..."الشمس لا تصنع المواقيت "
كانت أقدامنا تغوص في رمل الذّكرى فتثير أمامنا ووراءنا ومن على يميننا ومن على شمالنا ومن تحتنا ومن فوقنا غبار التاريخ الذي كان يثير فينا الحاجة للعطاس والسّعال .ومررنا على عيون الماء في الواحات والبحيرات المعزولة كأنّها الاحواض السّحريّة ورأينا الكائنات تشرب فتستحبل موجودات نورانيّة تسبقنا إلى الانطفاء ...لم تكن بنا رغبة في الشّرب لأننا لم نحسّ بالعطش ولم نشعر بالجوع ولم يتطرق إلينا الإعياء ...كان عزمنا على إدراك الشّمس لحظة سقوطها كبيرا ,كنّا نودّ أن نبرهن للناس على صدق أقوالنا,
حينما مرّت الشّمس فوقنا ونحن في عزّ الطّهيرة وقفنا للحظة للصلاة فسمعته يقول كالمسرّ بأمر جلل :"سأستبدلك بشمعة في ظلمة أزكّيها إنّ أنا حنثتُ " وصمت وقام وقمت وجعلنا نجدّ في السّير ثمّ ننخرط في الجري حتّى تحوّلت العصوان إلى ما يشبه النواعير ..كنت أسمع دقات قلبه تنيض في غير انتظام كأنّما قد تحوّلت إلى لغة مستعصية ...وكنت أسمع حسيس النار في قلب الشّمس ولم أر لذلك علاقة بالمواقيت .
وحينما تردّد صدى الآذان في الأرجاء المقفرة ,في الصّحاري الممتدّة شرقا وغربا وشمالا وجنويا وبين الجهات الأربع حدّقنا مليّا في الخط الفاصل بين الإدراك والوهم فإذا نحن في ليلة الأحد وما أدراك ما ليلة الأحد ...كانت الرّمال حمراء كالجمر والمياه في البحيرات العائدة إلى الذّاكرة كانت حمراء متّقدة كالحميم ...ولكنّها ليلة الأحد...ليلة أن أدركنا مرقد الشّمس وقهرنا المسافات وركبنا الزّمن من أقصاه إلى أقصاه .
كان الشّفق باب مرقد الشّمس قد احمرّ واتّقد واضطرم ورمانا بالشّهب وأغرانا بيواقيت الزّمان وبالرّاح والجواري والغلمان وعرّانا من الحزم فافرغنا عليه من الصّبر والثبات دلاء لا عدد لها ومكثنا نتذاكر أوصاف الشّمس والحرارة والفيح واللغح فوجدناها كلّها في تراث ليلة السّبت ولم نذكر شيئا إلاّ نطقت به الجدران وقالت :"هات غير هذا " فأصابنا الجوع والعطش والتّعب وجعلت الرّعبة تنهش جسدينا وتحوّلنا إلى مجرّد قطع من الجبن المثقوبة كلّما صببنا فيها مقدار من يواقيت الزّمان خرجت من تلك الثّقوب وأورثتنا العلّة والوهن ...
حينما اشتدّت علينا العلّة اثاقلنا واضطربت الجهات فكان غربه شرقا وشمالي له جنوبا وكنا نضحك ونقول :"هي ليلة الأحد,,, أردنا مغالبة الشّمس وفضحها ففضحتنا المواقيت واليواقيت" لذلك وحده وفي سَحَر ليلة الأحد وحينما لم يعد ثمة أمل في برئه خرج على الناس وهم نيام وجعل يصيح فيهم" إنّها القيامة وإنّها الجمعة "وكان قد اشتبه عليه الشّرق والغرب وكان ذلك كلّه ليلة الأحد ...
وفي صباح الغد عدت وحيدا عبر الصّحاري استضيء ببعض اليواقيت و تمتصني أشعة الشّمس وخيّل إليّ أنّنى وحيد وما كنت وحيدا
في 14جويلية2012