سُقُف الأحلام... وغوايةُ الرّذيلة ...

‏
سُقُف الأحلام... وغوايةُ الرّذيلة ...
في الكائن البشري ، هذا المخلوقُ الملاك أو الشيطان، مساحاتٌ غير قابلة ٍ للرقابة ولا مدجنّةٍ للتقييد.. تبرزُ منها القدرة على الحلمِ رقعةً متسعةً فسيحةً، يصولُ الإنسانُ عبرها ويجولُ ، ينفّسُ من خلالها عن مكبوتاته ، كما أخبرَ بذلك سيغموند فرويد في قرنٍ منصرم، و يلبّي بواسطتها آماله وأحلامه، وخالص أمنياته التي تنبتها الأيام.
إستطاعَ هذا المَوِطنُ المشرقيُّ المفاخرُ بتموضعه المتميز من العالم المحيط به - جغرافياً كما تاريخياً - أن يطوّرَ في حقبٍ أداءَه الّلإنسانيَّ حتّى تمكّن من خلقِ السقوف والحدود لما لا يحدّ ... وابتداع الحواجز للمتدفق الذي لا يمكن إيقاف اندفاعه بحكم الطبيعة والوجود...
فبفعل التراكم النّوعي لجملةٍ من الممارسات المتعسّفة، ولكمٍّ هائلٍ من الإحباطات يتعرّضُ لها إنساننُا يوميّاً، يتمّ التمكّن منهُ ، ومن قدرته على توليد الأحلام، والتحليق بواسطتها لكسر العادي والمألوف ، ولتحقيق إبداع أبدي الانتظار... إذ من غير المسموح له أن يحلم بالتّغيير ، أو ان يعبرَ العتبةَ المؤدّيةَ إليه، حيثُ تقومُ ثوابتُ الواقع متينةً ، لا تمكنُ زحزحتها ، ولا الفرار من إسارها رغم هشاشة الواقع السّائد، ورغمَ رمليّة تربته.
هي مفارقةٌ مضحكةٌ ، لكنّها طاعنةٌ في الصميم، إذ كيف لكيانٍ يدرك من يعاينُه مقدار هشاشته، وتقطّع أوصاله، وتعددَ رؤوسه، كيفَ له أن يُحكم قبضته على مواطنيه بهذه الشاكله الشائنة ؟ كيانٌ كامل الغياب ، هائلُ الحضور في آنٍ معاً ...يسمحُ لهذا البشري القائم فيه بامتلاك مظهرية الحداثة لا روحها ، بامتلاك أدواتها لا منطقها !
كلُّ عائدٍ من بلاد الاغتراب سائحاً كان أو زائراً ، يفاجأٌ بأنّا لا زلنا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، وبعد 33 عاماً على انتهاء حربنا العتيدة - الحمّالة القاسية التي لا تريد الانكسار لكلّ الأخطاء والعيوب والانتهاكات، كأنا لا نقرأ التاريخ لدول نعاينها ونرى كيف خلعت عنها رداء الحروب لتنهض معافاةً بهية ، تزهو بإنسانها وبكيانها السياسي الموحّد - نتشاورُ ونفاوضُ لحلّ أزمة الكهرباء، وبلادُنا تتربّع على مَرجِ عيونٍ، ونُرمَى بالكفر وبالحُرم إذا طُرحت مسألةُ الزواج المدني، ونناقشُ قوانين انتخابية أهمّ ما فيها هو الحرصُ الجنوني على تغييب المعنى الحقيقي للانتخاب ! تتمّ مصادرة الأحلام التي تسعى طالبةً وطناً لا يريدُ المجئ ، يُحترَمُ فيه الإنسانُ لأنّه إنسان، لا لأنّهُ ظلّ أو شبحُ مسؤولٍ يغطيّه...

في إنسانيتنا المُنتهبَةُ إحساسٌ متجذرٌ بالتشتت وبالذهول وبالانفصام ...يهيّئ لفتن الرذيلة المحتمَلة ، وإلاّ كيف يفسَّرُ هذا الجنوحُ الجماعيُّ نحو مهاجمة الفعل الفاسد اجتماعيا، سياسيّاً و اقتصادياً...يقابلهُ الاحتواءُ والتبجيلُ لأعلامها ولأطرافها حينما يلتقي بها في عامٍ أو خاصٍ...
ثمّةَ ازدواجيّة ٌ مُعيبةٌ في شخصياتنا الاجتماعيّة مردُّها بطريقةٍ أو بأخرى هذه السُّقُفُ التي نُصبتْ مكينةً لضبط أحلامنا ، أو لإجهاضها في مُهودها... لذلك بتّنا أشخاصاً ممسوخين يحلمونَ بالتّغيير ، ولا يسعون إليه حقّاً، وإنْ حصلَ وسعينا فوجئنا بالجدران الرّخوة تنتصبُ عاليةً ، قد استعادت صلابةً توهّمنا انعدامَها ... أشخاصاً يندّدون بالنذالة وبالتداعي الخلقيّ والمواطنيّ، ويصفّقون لها حين تحصلُ اللقيا... تنسربُ الطاقاتُ البشرية الكامنةُ لتشكل َ مزيداً من المكبوتات تنخرُ مجتمعاتنا مهدّدةً كلَّ أساساتها والأنحاء، لنستحيل معها إمّا أفراداً ملتحقينَ بالسباقات الراغبة بجنونٍ ٍ الإمساكَ بخيوطِ لعبةٍ لا تريد الانتهاء، وإمّا أشخاصاً هامشيين ، بحكم قانون القوّة الفلسفيّ، مسكونين بالإحباط، ، وبالعبثية، وبانغلاق الأفق الرّحب الممتدّ أمام بني البشر ، ولو على حفنةٍ طيّبة نديّةٍ من الأحلام...