الأبوِّية عندنا كما في السياسة في الأدب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لست هنا لأقول كما قال ابن عربي، أن المكان الذي لا يؤنث لا يعوَّل عليه، ولسن هنا لأعيد أن النظام الأبوي هو وليد البطريكية القديمة، وأنه نتج عن ظروف تاريخية واجتماعية وثقافية مرّ بها التاريخ المسيحي، وأنه تضمن طرائق التفكير والعمل والسلوك، وأنه يقوم على التلقين والامتثال والحفظ والترداد وتقديس الماضي في إطار تنتصر فيه السياقية ويغيب فيه النسق لتمارس الأبوّية سلطتها من خلال تأييد نموذجها (البدئي) باعتباره نسقا مقدسا (كذلك في الأدب أنظر مسرحية أوديب، شكسبير، سرفانتس)، ولتستمد منه السلط السياسية المتعسفة حيويتها وترسخ من خلاله لوجودها بدعم بُعدها الأسطوري (الوجودي)، فتكبل الأفواه وتمنع حرية الرأي والتفكير، وقياسا عليه تخرج عندنا بعض الأصوات الأدبية فارضة هيمنتها بشكل متعسف لم يسبق له مثيل.
وأنا هنا لأتساءل، وفرضا باعترافنا بهذه الأبوّية، هل علينا أن نقدم فروض الولاء والطاعة للنص المكتوب بالعربية أو للنص ذو اللسان الفرنسي أصحابه مع الإشارة إلى الفارق الشاسع بين النصين على المستوى الجمالي والقيمي، وكذلك على المستوى الإنتاجي، ما دامت الأسماء المكرسة بالعربية تكفيها أصابع اليد الواحدة بزيادة وعلى العكس من ذلك أصحاب اللسان الفرنسي وكأننا أمام ظاهرة صوتية ليس إلاّ. على أننا لا يمكننا أن نشير إلا هذه الظاهرة دون الإشارة إلى الجيل الوسط وهو الجيل الذي ليس معنا وليس ضدنا، يشد العصا من وسطها مفكرا بميزان الربح والخسارة، وإن كان الساكت عن الحق...
إن ما كنا ندينه في السياسة باعتبارنا مثقفين وكتاب ومبدعين نمارسه بغباء وتجن ضد بعضنا البعض في ميدان الأدب، ونجد جيل الشباب هنا ـ كما هناك ـ تحت سطوة الجيل القديم والذي يعتبر نفسه كعرق متفوّق مكتف بذاته وفوق النقد، ليحصل الانسلاخ ويصل الأمر حدَّ القطيعة الفعلية بعد الشعور بالمهانة والتحقير والإقصاء، ثم هل علينا بالثورة، ما دمنا الجيل الجديد والذي كل همّه الابتعاد عن العاطفة والمحاباة والتبعية غير المؤسسة مؤمنين بحرية التفكير والتعبير كمعيار مستمدين حيويتنا من الآداب العالمية ولا بوصلة لنا إلا حدسنا وإخلاصنا وشغفنا، وقد كنا نسمع بالجعجعة لكن لم ندرك لها طحينا ؟!