هل هي الأيام الأخيرة لفرنسا العجوز..؟
لقد اتضح الآن،،وبشكل لا يقبل الشك أو التأويل،وخاصة مع الحرب الفرنسية في شمال مالي، أن الاستعمار ليس حالة عابرة في حياة الدول والشعوب،ولكنه عقيدة راسخة،لها رهبانها وأنصارها وتعالمها المقدسة،ولا يمكن لهذه العقيدة المدمرة،أن تزول،مهما ارتفعت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ السلام العالمي،وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
وأمام هذا الحنين الجارف لفرنسا العجوز،للعودة الى أمجاد الماضي، ورغبتها المسعورة، في استعادة مكانتها كدولة استعمارية كبرى في العالم،بات من الواجب أن تخضع هذه الدولة المريضة الى علاج فوري،ورعاية صحية ونفسية خاصة،باعتبارها أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على البشرية.
وبات من الواجب الإنساني أيضا،أن يستخدم الأطباء والأخصائيون النفسانيون،الذين سيشرفون على علاجها،أقصى ما يستطيعون من وسائل وإمكانات،لكي تستعيد رشدها،وتفهم أن الماضي لا يعود،وأن زمن الاستبداد والقهر والجبروت،صار في حكم التاريخ،وأنها في الحقيقة ليست الا دولة متخلفة ثقافيا ولغويا واقتصاديا واجتماعيا،رغم كل أقنعة الحضارة والتمدن التي تتزين بها،و...لا يمكنها في أي حال من الأحوال،أن تطمح الى أكثر مما هي عليه في الواقع،ولا يصلح العطار ما أفسد الدهر.
تلك هي الحقيقة التي أصبحت تخيف فرنسا العجوز،كلما نظرت الى وجهها الشاحب في المرآة،وتفرست في ملامحها التي أكلتها التجاعيد وعوامل الزمن.
لقد أعلنت الثورة الجزائرية المباركة، بداية نهاية أسطورة فرنسا الاستعمارية، أو الدولة العظمى التي يحسب لها ألف حساب، في المحافل والمنتديات الدولية،مما جعلها تصاب على امتداد الخمسين سنة الماضية، بحالة من السعار المرضي،يزداد خطورة يوما بعد يوم،وقد تكشفت أعراضه بشكل واضح،في هذا القرار الذي اتخذه رئيسها فرانسوا هولاند، بإعلان الحرب ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي،مستغلا الظرف الدولي الراهن، الذي يعيش منذ تفجيرات 11 سبتمبر في أمريكا،حربا عالمية ضد الإرهاب،الا أن ذلك لن يكون الا تعميقا لحالة الشيخوخة والعجز الذي تعيشه هذه الدولة المتخلفة،قياسا باليابان أو الصين أو أمريكا أو ألمانيا.
ويبقى أن نقول،بأن الأزمة الإقليمية التي اشتعلت منذ بداية الحرب الفرنسية على شمال مالي،سوف تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن فرنسا وعملاؤها في الجزائر بوجه خاص، يعيشون آخر أيامهم،وأن علاجهم من هذا الوباء،لم يعد أمرا مستعصيا على الطب الحديث.