ستار تايمز-شباب العرب-
السلام عليكم

سعيد بتقديم محتوى هذا المنتدى
1/منتديات تعليمية لجميع الاطوار من المتوسط الى الجامعي
2/منتديات ادبية (شعر نثر قصص ........).
3/منتديات دينية ( احاديث وقصص قرانية ............).
4/منتديات للمرح (نكت والغاز ..........).
5/منتديات للتعارف (دردشة تعارف ).
الى غير ذلك
انت مسلم انت مرحب بك معنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوتنا الاعزاء
ستار تايمز-شباب العرب-
السلام عليكم

سعيد بتقديم محتوى هذا المنتدى
1/منتديات تعليمية لجميع الاطوار من المتوسط الى الجامعي
2/منتديات ادبية (شعر نثر قصص ........).
3/منتديات دينية ( احاديث وقصص قرانية ............).
4/منتديات للمرح (نكت والغاز ..........).
5/منتديات للتعارف (دردشة تعارف ).
الى غير ذلك
انت مسلم انت مرحب بك معنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوتنا الاعزاء
ستار تايمز-شباب العرب-
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ستار تايمز-شباب العرب-

الاكثر تطورا وتواصلا مع الاصدقاء عبر العالم العربي
 
الرئيسيةتحيا الجزائر أحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأخيرة
» موقع دروس لتخصص **رياضيات**
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالإثنين يونيو 01, 2015 1:35 am من طرف المدير

» موقع دروس لتخصص **رياضيات**
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالإثنين يونيو 01, 2015 1:29 am من طرف المدير

» نعشق في صمت....
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالإثنين مايو 11, 2015 12:49 am من طرف Souhila

» THÉORIE DE LA MESURE ET DE L’INTÉGRATION.THIERRY GALLAY
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالخميس يناير 22, 2015 7:39 pm من طرف amin

» Calcul int´egral et th´eorie de la mesure (Notes de cours)
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالخميس يناير 22, 2015 7:38 pm من طرف amin

»  انظرو ماذا تفعل الحيوانات ...سبحان الله
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالأحد يناير 18, 2015 12:00 am من طرف المدير

» تاريخ الامازيغ ..السكان الاصليين لشمال افريقيا .
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالسبت يناير 17, 2015 12:25 am من طرف المدير

» موقع يتضمن دروس لعدة تخصصات من بينها تخصص رياضيات ...
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 11:44 pm من طرف المدير

» الجامعات والمعاهد التي فتحت فيها مناصب ماجستير للموسم 2014/2015.
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 11:28 pm من طرف المدير

» سويتشرز الجزائر فلم ولا اروع حصريا
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 10:05 pm من طرف سعاد احمد

» TOPOLOGIE DES ESPACES MÉTRIQUES
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:57 pm من طرف سعاد احمد

» D Classification of linear 2nd order PDEs
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:55 pm من طرف سعاد احمد

» Exercices corrigés de géométrie
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:55 pm من طرف سعاد احمد

» Exercices de géométrie affine et euclidienne pdf
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:47 pm من طرف امينةlove

» Classification of second-order linear pde's and reduction toPDF
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:46 pm من طرف امينةlove

» Généralités sur les espaces métriques et introduction
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:45 pm من طرف امينةlove

» للتحميل من موقع جامعة الحاج لخضر باتنة كلية الرياضيات انقر هنا
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:30 pm من طرف مريم الجزائرية

» les formes canoniques pdf
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:29 pm من طرف مريم الجزائرية

» Topologie des espaces métriques, 2011/12.
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:26 pm من طرف مريم الجزائرية

» Topologie pour la Licence
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالجمعة يناير 16, 2015 9:26 pm من طرف مريم الجزائرية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني





المواضيع الأكثر شعبية
من مكتبة الجامعة
انظر ماذا تفعل بنات راس العيون باتنة في الجامعة
كلمات عن الصداقة اروع حكم واقوال عن الصداقة
أروع كتاب في المحاسبة العامة وفق النظام المحاسبي المالي الجديد L.M.D
16 فيديو اباحيا نتاج بادي في راس العيون الفضيحة
أسرار النجاح في شهادة البكالوريا __ للمقبلين على البكالوريا __
عاجل مسابقات التوظيف 2013
حكم سب العرب ........................... خطير جدا اتمنى الاطلاع عليه
تردد قنوات الرسوم المتحركة العالمية حصريا
حصريا حلول كل تمارين الكتاب المدرسي للعلوم الطبيعية للسنة الثالثة ثانوي
أفضل 10 فاتحي مواضيع
الزعيم
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
amin
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
الدكتور احمد فيصل
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
sihem
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
امينةlove
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
مريم الجزائرية
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
الشاعر اليزيد
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
الصقر الاسود
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
منصورية منصورية
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
delib
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_rcap74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_voting_bar74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  I_vote_lcap 
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 
اليوميةاليومية

 

 74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الزعيم
المدير
المدير



ذكر
عدد المساهمات : 3070
تاريخ التسجيل : 05/12/2011
الموقع : .startimes-arab.yoo7.com

74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Empty
مُساهمةموضوع: 74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني    74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2012 12:15 pm

قد انقشع الظلام ... وها أنا هنا فى ساحة المسجد النبوى ، والمضاء بمصابيح بالغاز المعلقة على الأعمدة بالأروقة . يجلس الشيخ " عبد الله بن بلهيد " ورأسه محنية على صدره ، وعيناه مغمضتين . من لا يعرفه يظن أنه نائم ، ولكنى أعرفه ، وأعلم أنه يستمع إلى بكل حواسه وخبرته فى الرجال ، ويحاول أن يزن كلامى ويضعه موضعه . وبعد فترة طويلة فتح عينيه ورفع رأسه : وحينئذ ، ماذا فعلت ؟؟؟
من الواضح ياشيخ بحثت عن صديق لى مسلم ، كان هنديا ، رئيسا لمجموعة مسلمة فى برلين ، وقلت له أننى أريد اعتناق الإسلام . مد يديه فى اتجاهى ، فوضعت يديى فيهما ونطقت بالشهادتين " أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ، وبعد بضعة أسابيع أعلنت زوجتى إسلامها وفعلت ما فعلت .

محمد أسد
من كتاب الطريق إلى مكة ... من صفحة 295 إلى 311


وهذا ماكتبه حسن السعيد عنه في كتاب الإسلام والغرب الوجه الآخر:


في صيف عام 1900م، ولد "ليوبولد فايس" في مدينة "لوو" البولونيّة، التي كانت تابعة يومئذ للنمسا. كان ثاني ثلاثة أخوة لأبويه. وعن أجواء الطفولة وانعكاساتها يقول "فايس": "لقد كانت طفولة سعيدة مرضية حتّى في ذكراها، لقد كان والداي يعيشان في ظروف مريحة، وكانا يعيشان لأولادهم أكثر من أي شيء آخر. ولعلّه كان لوداعة اُمّي وهدوئها علاقة أو تأثير، بالسهولة التي تمكّنتُ بها، في السنين التالية، من أن اُكيّف نفسي للأحوال والظروف الجديدة، والمشؤومة الى أبعد الحدود. أمّا تبرّم أبي الداخليّ، فلعلّه منعكس فيما أنا عليه اليوم".
ورغم أنّ أباه كان من اُولئك الذين يعتبرون الدّين خرافة عتيقة، يمكن للمرء، في بعض المناسبات، أن يمتثل لها خارجياً، ولكنّه يخجل منها في سرّه.. غير أنّه مراعاة لأبيه (الذي كان حاخاماً) وحميّه _والد زوجته _ ألحّ على "فايس" أن يقضي الساعات الطوّال في درس الكتب المقدّسة. وهكذا لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتّى أصبح في إمكانه قراءة العبرانيّة بسهولة، والتكلّم بها بطلاقة؛ وذلك بمقتضى متطلّبات تقاليد عائلته اليهوديّة. بيد أنّه سرعان ما اُصيب بخيبة أمل باليهوديّة أودت به الى نبذ كلّ دين نظاميّ دستوريّ، حسب تعبيره.
في أواخر عام 1914م، وبعد اشتعال نيران الحرب العالميّة الأولى، بدا له أنّ الفرصة الكبرى لتحقيق أحلامه الصبيانيّة على قاب قوسين أو أدنى. كان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره، فهرب من المدرسة والتحق بالجيش النمساويّ، بعد أن اتّخذ له اسماً مزوّراً، وبعد أسبوع أو نحو ذلك نجح والده في أن يتعقّب آثاره بواسطة البوليس، فيعيده مخفوراً الى فينّا، حيث كانت عائلته قد استقرّت قبل ذلك بزمن قليل، وحينما استدعي الى الخدمة العسكرية، بعد أربع سنوات كانت أحلامه حول "المجد العسكريّ" قد تبدّدت، وليتطلّع الى سُبل أخرى لتحقيق ذاتيّته.
انصرف طيلة عامين تقريباً بعد انتهاء الحرب، وبصورة متقطّعة نوعاً ما، الى دراسة تاريخ الفنون والفلسفة في جامعة "فينّا".. لكنّ المسلك العلميّ الهادىء لم يكن يجذبه.. ليقرّر ترك الدراسة نهائيّاً، ومن ثمّ يجرّب حظّه في الصحافة. دشّن حياة المهنة بالتطواف في أنحاء العالم الاسلامي، كمراسل صحافيّ. والوطن الإٍسلامي آنذاك كان يعيش حالة الانهيار والهزيمة، وإذا كانت المفارقات تنبّه النفوس وتحرّك العقول، فلا شكّ أنّ "فايس" بعقله النيّر قد لاحظ هذه المفارقة التي تزامنت آنذاك بين الأيّام القريبة لصولة الدولة الاسلاميّة، واتّساعها شرقاً وغرباً لتحتلّ حتى جزءاً من وطنه النمساويّ، وبين حالها بعد الحرب العالميّة الأولى..
وهكذا بينما كان صاحبنا منبهراً بالقوّة الكامنة في الاسلام، كان في الوقت نفسه، يحسّ بالاشفاق والعطف على هذه الأمة التي غدت حائرة تنشد طريقاً للخلاص ونهاية للمحنة.. كل ذلك تحوّل الى اهتمام جارف لدى "فايس" بوضع المسلمين ليجد لنفسه، في النهاية، أزاء خيار وحيد، وهو أن يعتنق الاسلام، وليقضي بقيّة حياته الفكرية في خدمة الاسلام والنّصح للأُمة حتّى وفاته في شباط (فبراير) 1992م.
كيف إعتنق الاسلام ولماذا؟
وعن كيفية اعتناقه الاسلام، ولماذا اعتنقه.. يحدِّثنا "محمّد أسد" فيقول:
"في عام 1922م تركتُ النمسا بلادي لأتجوّل في أفريقيا وآسيا بصفتي مراسلاً لبعض اُمّهات الصحف الأوروبيّة. ومنذ ذلك الحين قضيت كلّ أوقاتي تقريباً في الشرق الاسلاميّ.. ولقد كان اهتمامي بالشعوب التي احتككتُ بها في أوّل أمري اهتمام رجل غريب. لقد رأيتُ نظاماً اجتماعيّاً ونظرة الى الحياة تختلف اختلافاً أساسيّاً عما هي الحال في أوروبا. ومنذ البداءة الأولى نشأ في نفسي ميل الى ادراك للحياة أكثر هدوءاً _أو إذا شئت _ أكثر انسانيّة، إذا قيست تلك الحياة بطريقة الحياة الآليّة العجلى في أوروبا، ثمّ قادني هذا الميل الى النظر في أسباب هذا الاختلاف.
وهكذا أصبحتُ شديد الاهتمام بتعاليم الاسلام الدينيّة. إلاّ أنّ هذا الميل لم يكن في الزمن الذي نتكلّم عنه، كافياً لجذبي الى حظيرة الاسلام، ولكنّه كان كافياً لأن يعرض أمامي رأياً جديداً في إمكان تنظيم الحياة الانسانيّة مع أقل قدر ممكن من النزاع الداخليّ وأكبر قدر ممكن من الشعور الأخويّ الحقيقيّ.
.. لقد شجّعني هذا الاكتشاف، لكن الذي حيّرني كان ذلك التباعد البيّن بين الماضي والحاضر، من أجل ذلك حاولتُ الاقتراب من هذه المشكلة البادية أمامي من ناحية أشدّ صلة، لقد تخيّلت نفسي واحداً من الذين يضمّهم الاسلام. على أنّ ذلك كان تجربة عقليّة بحتة، ولكنّه كشف لي في وقت قصير عن الحلّ الصحيح..
وكنتُ كلّما زدتُ فهماً لتعاليم الاسلام من ناحيتها الذاتيّة، وعظم ناحيتها العلميّة ازددتُ رغبة في التساؤل عمّا دفع المسلمين الى هجر تطبيقها تطبيقاً تامّاً على الحياة الحقيقيّة. لقد ناقشتُ هذه المشكلة مع كثير من المسلمين المفكّرين في جميع البلاد ما بين طرابلس الغرب الى هضبة البامير (في الهند)، ومن البوسفور الى بحر العرب، فأصبح ذلك تقريباً شجىً في نفسي طغى في النهاية على سائر أوجه اهتمامي بالعالم الاسلاميّ من الناحية الثقافية. ثمّ زادت رغبتي في ذلك شدّة، حتّى أنّي _وأنا غير المسلم _ أصبحتُ أتكلّم الى المسلمين أنفسهم مشفقاً على الاسلام من إهمال المسلمين وتراخيهم. لم يكن هذا التطوّر بيّناً في نفسي، إلى أن كان يوم _وذلك في خريف عام 1925م _ وأنا يومذاك في جبال الأفغان، فقد تلقّاني حاكم اداري شاب بقوله: "ولكنّك مسلم، غير أنّك لا تعرف ذلك من نفسك". لقد أثّرت فيّ هذه الكلمات، غير أنّي بقيت صامتاً. ولكن لمّا عدتُ الى أوروبا مرّة ثانية في عام 1926م، وجدتُ أنّ النتيجة المنطقيّة الوحيدة لميلي هذا أن أعتنق الاسلام".
وحال اعتناقه الاسلام تسمّى بـ "محمّد أسد". ومنذ ذلك الحين وهذا السؤال يُلقى عليه مرّة بعد مرّة: لماذا اعتنقتُ الاسلام؟ وما الذي جذبك منه خاصّة؟ فيأتي جوابه: "هنا يجب أن أعترف بأنّني لا أعرف جواباً شافياً. لم يكن الذي جذبني تعليماً خاصّاً من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب المتراصّ بما لا نستطيع له تفسيراً من تلك التعاليم الأخلاقيّة بالإضافة الى منهاج الحياة العمليّة. ولا أستطيع اليوم أن أقول أي النواحي قد استهوتني أكثر من غيرها، فانّ الاسلام على ما يبدو لي، بناء تام الصّنعة، وكلّ أجزائه قد صيغت ليتمّم بعضها بعضاً ويشدّ بعضها بعضاً. فليس هناك شيء لا حاجة إليه، وليس هنالك نقص في شيء، فنتج عن ذلك كلّه ائتلاف متّزن مرصوص. ولعلّ هذا الشعور من أنّ جميع ما في الاسلام من تعاليم وفرائص "قد وُضعت مواضعها" هو الذي كان له أقوى الأثر في نفسي، وربّما كانت مع هذا كلّه أيضاً مؤثّرات أخرى يصعب عليَّ الآن أن أحلّلها...".
ومنذ ذلك الحين سعى الى أن يتعلّم من الاسلام كلّ ما يقدر عليه: لقد درس القرآن الكريم وحديث الرسول (ص). لقد درس لغة الاسلام، وتاريخ الاسلام وكثيراً ممّا كُتِبَ عنه أو كُتِبَ في الردّ عليه. وقد قضى أكثر من خمس سنوات في الحجاز، ونجد _وأكثر ذلك في المدينة _ ليطمئنّ قلبه بشيء من البيئة الأصليّة للدّين الذي قام النبيّ العربيّ بالدعوة اليه فيها. وبما أنّ الحجاز ملتقى المسلمين من جميع الأقطار، فقد تمكّن من المقارنة بين أكثر من وجهات النظر الدينيّة والاجتماعيّة التي تسود العالم الاسلاميّ.
بعد سنوات من الانقطاع لدراسة الاسلام، صار علماً من أعلام الاسلام في العصر الحديث. وبعد قيام باكستان اشتغل مديراً لدائرة "إحياء النظم الاسلامية" في البنجاب الغربيّة، ثمّ صار فيما بعد مندوباً مناوباً لباكستان في الأُمم المتّحدة، وفي عام 1953م استقال من منصبه، لينكبّ على الكتابة والتأليف. ومنذ عام 1964 حتّى عام 1980 يكون قد أنجز "مشروع العمر" وهو ترجمة معاني القرآن، باسلوب عصريّ خاطب فيه العقل الأوروبي مباشرة بلغة يفهمها.
أنشأ بمعاونة "وليم بكتول" (الذي أسلم هو الآخر) مجلّة الثقافة الاسلامية في حيدر آباد الدكن (1927)، وكتب فيها دراسات وافرة في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الاسلام. كما ترجم صحيح البخاري (1935)، وألّف أصول الفقه الاسلاميّ، والطريق الى مكّة، والاسلام على مفترق الطّرق، ومنهاج الاسلام في الحكم، وشريعتنا هذه ، وعودة القلب الى وطنه (مذكّرات)...
مع ضرورة التذكير بأنّ "محمّد أسد" لم يرجع الى أوروبا منذ أن غادرها بعد اعتناقه الاسلام أواسط العشرينات.. فقد كان عاشقاً للاسلام وحسب.
المصدر : الاسلام والغرب، الوجه الآخر
حسن السعيد

وهذا ماكتبه د.عبدالمعطي الدالاتي عنه في كتاب ربحت محمداً ولم أخسر المسيح:

نمساوي ينحدر من سلالة يهودية ، أسلم ووضع كتابيه الشهيرين (الإسلام على مفترق الطرق) و (الطريق إلى مكة) ولقد جاء إسلامه ردا حاسما على اليأس والضياع ، وإعلانا مقنعا على قدرة الإسلام على استقطاب الحائرين الذين يبحثون بجد عن أرواحهم ومصيرهم

قصته مع الإسلام:

في حوار مع بعض المسلمين ، كان (ليوبولد فايس) ينافح عن الإسلام ، ويحمل المسلمين تبعة تخلفهم عن الشهود الحضاري ، لأنهم قصروا في تطبيق الإسلام ، ففاجأه أحد المسلمين الطيبين بهذا التعليق: (فأنت مسلم ... ولكن لا تدري).

هزت هذه الكلمة أعماقه ، ووضعته أمام نفسه التي يهرب منها ، وظلت تلاحقه من بعد حتى أثبت القدر صدق قائلها الطيب حين نطق (محمد أسد) بالشهادتين.

هذه الحادثة تعلمنا ألا نستهين بخيرية وطاقات أي إنسان! فنحن لا ندري من هو الإنسان الذي سيخاطبنا القدر به ، ومن منا لم يحدث انعطافا في حياته كلمة أو موقف أو لقاء؟! من منا يستطيع أن يقاوم في نفسه شجاعة الأخذ من الكرماء؟!

يقول محمد أسد:

· في يوم ذهبت مع صديق إلى الجامع الأموي ، في صفوف طويلة مستقيمة كان يقف مئات من الرجال وراء الإمام ، كانوا يركعون ويسجدون فيلمسون الأرض بجباههم ثم ينهضون ثانية ، في وحدة منظمة كالجنود سواء سواء.

· في تلك اللحظة أدركت مبلغ قرب هؤلاء القوم من ربهم ، إن صلاتهم لم تكن منفصلة عن يوم عملهم! قلت لصاحبي: (ما أقرب وأدهش أن تشعروا أن الله قريب منكم إلى هذا الحد! آه لو أستطيع أن أشعر نفسي هذا الشعور)

· ما أجمل أن ينزل الإنسان ضيفا على العربي! أن تكون ضيفا على عربي إنما يعني نفاذك إلى صميم الحياة.

· في دمشق ما أكثر ما رأيت زبونا يقف أمام دكان غاب صاحبه عنه ، فيتقدم التاجر المجاور –مزاحم!- ويبيع الزبون من بضاعة جاره لا بضاعته هو! ويترك له الثمن ، أين في أوربا يستطيع المرء أن يشاهد مثل هذه الصفقة؟!

· في الإسلام لا يحق لك فحسب بل يجب عليك أيضا أن تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الإفادة.

· يهتم الإسلام اهتماما واحدا بالدنيا والآخرة ، وبالنفس والجسد ، وبالفرد والمجتمع ، ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من استعداد إنه ليس سبيلا من السبل ، ولكنه السبيل الوحيد ، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديا من الهداة ، ولكنه (الهادي).

· جاءني الإسلام متسللا كالنور إلى قلب مظلم ، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلك البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه ولست أدري حتى الآن أي جانب من الإسلام يستميلني أكثر من غيره.

· من بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا ولا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية ، ومن بين سائر الأديان نجد الإسلام وحده يتيح للإنسان أن يتمتع بحياته إلى أقصى حد من غير أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة...

· يصف (محمد أسد) إفاضته مع الحجيج من عرفات: ها نحن أولاء نمضي عجلين مستسلمين لغبطة لا حد لها والريح تعصف في أذني صيحة الفرح: لن تعود بعد غريبا لن تعود... إخواني عن اليمين وإخواني عن الشمال ليس بينهم من أعرفه وليس فيهم من غريب فنحن في التيار المصطحب جسد واحد يسير إلى غاية واحدة وفي قلوبنا جذوة من النار التي وقدت في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يعلم إخواني أنهم قصروا ولكنهم لا يزالون على العهد سينجزون الوعد.

· (لبيك الله لبيك) لم أعد أسمع شيئا سوى صوت لبيك في عقلي ودوي الدم وهديره في أذني.

· ويممت وجه الله والقلب ذاكر وكان صدى لبيك يغلي بمسمعي.

· إن الكعبة ترمز إلى الوحدانية والوحدة أما الطواف حولها فيرمز إلى جهود الحياة الإنسانية...

· وتقدمت أطوف أصبحت جزء من سيل دائري! ... لقد أصبحت جزء من حركة في مدار! .... وتلاشت الدقائق ... وهدأ الزمن نفسه وكان هذا المكان محور العالم ..

· إن الإسلام يؤكد في إعلانه أن الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا بمفرده وذلك بأن يستفيد استفادة تامة من وجوه الإمكان الدنيوي في حياته هو.

· لم يكن الذي جذبني إلى الإسلام تعليما خاصا بل ذلك البناء المجموع العجيب فالإسلام بناء تام الصنعة وكل أجزائه قد سيقت ليتم بعضها بعضا... ولا يزال الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية بالرغم من جميع العقبات التي خلفها تأخر المسلمين أعظم قوة ناهضة للهمم عرفها البشر لذلك تجمعت

· رغباتي كلها حول مسألة بعثه من جديد.

· الإسلام ليس فلسفة ، ولكنه منهج الحياة حسب القوانين التي سنها الله لخلقه ، وما عمله الأسمى سوى التوفيق التام بين الوجهتين الروحية والمادية في الحياة الإنسانية.

· الخطأ الأساسي في التفكير الأوربي الحديث ، حينما يعتبر التزيد من المعرفة المادية من الرفاهية مرادفا للترقي الإنساني الروحي والأدبي.

· إن الإسلام لم يقف يوما ما سدا في وجه التقدم والعلم ، إنه يقدر الجهود الفكرية في الإنسان إلى درجة يرفعه فيها فوق الملائكة.


وهذا ماكتبه الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين في موقع الإسلام اليوم

الطريق الروحي إلى مكة


كان الصبي (ليوبولدفايس) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشرة يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني.

كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسلة من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبية تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة ، وهم اليهود بالطبع. لقد أبرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر؛ بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار.

لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى، فتحت تأثير البيئة اللا أدرية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته، وما كان يتطلع إليه لم يكن يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله، وهو خوض المغامرات المثيرة.

في تلك المرحلة من عمر (ليوبولدفايس) اشتعلت الحرب العالميــة الأولى (1914- 1918) وبعد انتهاء الحرب -وعلى مدى عامين- درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في (جامعة فينا) ولكن ما كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مثل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة؛ لكنه لم يصل إليها بعد!.

كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي كل مساعيهم وأهدافهم، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لإقدامه الوجلة، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب.

كانت علوم التحليل النفسي (وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتح أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات، وما أكثر الليالي التي قضاها في مقاهي (فينا) يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال (الفريد ادلر) و (هرمان سيتكل).

إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل ألغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الأفعال العصبية.

لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً؛ فقرر أن يترك الدراسة، ويجرب نفسه في الصحافة.

كان أول طريق النجاح في هذه التجربة تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء (يونايتد تلجرام)، وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح بعد وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرين، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم أرحب (مقهى دين فيستن) و(رومانشية) ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين، فكانوا يمثلون له (البيت الفكري) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية.

كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يسعى إليه وما الذي يتوق إلى تحقيقه.

كان مثله مثل كثير من شباب جيله، فمع أن أياً منهم لم يكن تعساً إلا أن قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك.

(1)

لو قال له أحد في ذلك الوقت: إن أول معرفة له مباشرة الإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته؛ لعد ذلك القول مزحة، ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكية ألف ليلة وليلة، ولكنه كان أبعد ما يكون عن أن يتوقع أن تؤدي تلك الرحلة إلى أي مغامرات روحية.

كل ما كان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية، فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها، وهي البيئة الأوروبية، لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليس إلا محاولة التفافية حول التاريخ الإنساني، محاولة لا تحظى حتى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية، ومن ثم لا يستحق الذكر، فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث (اليهودية والمسيحية)، كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي، أو كما يعبر عن نفسه:"لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوروبية والعقلية المتعالية التي اتسم بها الغرب على مدى تاريخه". [ 104].

ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ويتسمى باسم (محمد أسد).

بالرغم من أن حياته تفيض بالمغامرات والمفاجاءات والمصادفات فلم يكن إسلامه نتيجة لأي من ذلك بل كان نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي، والاختلاط بشعوبه، والتعمق في ثقافته، وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية.

كان في الأعوام المبكرة من شبابه بعد ما أصابه الإحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد اتجه تفكيره إلى المسيحية بعد أن وجد أن المفهوم المسيحي للإله يتميز عن المفهوم التوراتي؛ لأنه لم يقصر اهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر، ألا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشؤون الدنيوية، وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما لقيصر؛ نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً، وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر.

فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة، وإن إحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون، وبفقدانه لإيمانه فَقَدَ اقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة، وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.

كان اقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة، وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً، كانت جميع النظم الاقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب، كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أن من المستحيل أن يعالج سبب المرض.

كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة الجماعة يقول: "أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام" [120].

بعد هذه الحادثة بشهور كان يدخل الجامع الأموي في دمشق ويرى الناس يصلون، ويصف هذا المشهد "اصطف مئات المصلين في صفوف طويلة منتظمة خلف الإمام، ركعوا وسجدوا كلهم في توحد مثل الجنود، كان المكان يسوده الصمت يسمع المرء صوت الإمام من أعماق المسجد الجامع يتلو آيات القرآن الكريم، وحين يركع أو يسجد يتبعه كل المصلين كرجل واحد، أدركت في تلك اللحظة مدى قرب الله منهم وقربهم منه بدا لي أن صلاتهم لا تنفصل عن حياتهم اليومية بل كانت جزءاً منها، لا تعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله، قلت لصديقي ومضيفي ونحن ننصرف من الجامع: ما أغرب ذلك وأعظمه! إنكم تشعرون أن الله قريب منكم، أتمنى أن يملأني أنا أيضاً ذلك الشعور، رد صاحبي: ما الذي يمكن أن نحسه غير ذلك والله يقول في كتابه العزيز: )ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )" [166].

ويقول بعد ذلك:"تركت تلك الشهور الأولى التي عشتها في بلد عربي قطاراً طويلاً من الانعكاسات والانطباعات، لقد واجهت مغزى الحياة وجهاً لوجه وكان ذلك جديداً تماماً على حياتي، الأنفاس البشرية الدافئة تتدفق من مجرى دم أولئك الناس إلى أفكارهم بلا تمزقات روحية مؤلمة من عدم الاطمئنان والخوف والطمع والإحباط الذي جعل من الحياة الأوروبية حياة قبيحة وسيئة لا تعد بأي شيء " [131].

"أحسست بضرورة فهم روح تلك الشعوب المسلمة لأني وجدت لديهم تلاحماً عضوياً بين الفكر والحواس، ذلك التلاحم الذي فقدناه نحن الأوربيين، واعتقدت أنه من خلال فهم أقرب وأفضل لحياتهم يمكن أن أكتشف الحلقة المفقودة التي تسبب معاناة الغربيين وهي تأكل التكامل الداخلي للشخصية الأوروبية، لقد اكتشفت كنه ذلك الشيء الذي جعلنا نحن أهل الغرب ننأى عن الحرية الحقة بشروطها الموضوعية التي يتمتع بها المسلمون حتى في عصور انهيارهم الاجتماعي والسياسي" [132].

"ما كنت أشعر به في البداية لا يعدو أكثر من تعاطف مع شكل الحياة العربية والأمان المعنوي الذي أحسبه فيما بينهم تحوّل بطريقة لا أدركها إلى ما يشبه المسألة الذاتية، زاد وعيي برغبة طاغية في معرفة كنه ذلك الشيء الذي يكمن في أسس الأمن المعنوي، والنفسي وجعل حياة العرب تختلف كلياً عن حياة الأوربيين، ارتبطت تلك الرغبة بشكل غامض بمشكلاتي الشخصية الدفينة، بدأت أبحث عن مداخل تتيح لي فهماً أفضل للشخصية العربية والأفكار التي شكلتهم وصاغتهم وجعلتهم يختلفون روحياً عن الأوروبيين، بدأت أقرأ كثيراً بتركيز في تاريخهم وثقافتهم ودينهم، وفي غمرة اهتمامي أحسست بأني قد توصلت إلى اكتشاف ما يحرك قلوبهم ويشغل فكرهم ويحدد لهم اتجاههم، أحسست أيضاً بضرورة اكتشاف القوى الخفية التي تحركني أنا ذاتي وتشكل دوافعي وتشغل فكري وتعدني أن تهديني السبيل" [132]".

"قضيت كل وقتي في دمشق أقرأ من الكتب كل ما له علاقة بالإسلام، كانت لغتي العربية تسعفني في تبادل الحديث؛ إلا أنها كانت أضعف من أن تمكنني من قراءة القرآن الكريم، لذا لجأت إلى ترجمة لمعاني القرآن الكريم، أما ما عدا القرآن الكريم فقد اعتمدت فيه على أعمال المستشرقين الأوروبيين.

ومهما كانت ضآلة ما عرفت إلا أنه كان أشبه برفع ستار، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلاً عنه وجاهلاً به حتى ذلك الوقت، لم يبدُ لي الإسلام ديناً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة دين؛ بل بدا لي أسلوباً للحياة، ليس نظاماً لاهوتياً بقدر ما هو سلوك فرد، ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد، لم أجد في أي آية من آيات القرآن الكريم أي إشارة إلى احتياج البشر إلى الخلاص الروحي ولا يوجد ذكر لخطيئة أولى موروثة تقف حائلاً بين المرء وقدره الذي قدره الله له، ولا يبقى لابن آدم إلا عمله الذي سعى إليه، ولا يوجد حاجة إلى الترهب والزهد لفتح أبواب خفية لتحقيق الخلاص، الخلاص حق مكفول للبشر بالولادة، والخطيئة لا تعني إلا ابتعاد الناس عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، لم أجد أي أثر على الثنائية في الطبيعة البشرية فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح، وقد أكد الإسلام ذلك، لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشاً؛ بل إن كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين، لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو تحقيق وجود أسمى وأبقى وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية، ويرى أن الرخاء المادي لا ضرر منه إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، لذلك لا بد أن تُقنن شهية الإنسان وشهواته وتتم السيطرة عليها بوعي أخلاقي من الفرد، هذا الوعي لا يوجه إلى الله فقط؛ بل يوجه أيضاً إلى البشر فيما بينهم، لا من أجل الكمال الديني وحده بل من أجل خلق حالة اجتماعية تؤدي إلى تطور وعي للمجتمع بأكمله حتى يتمكن من أن يحيا حياة كاملة.

نظرت إلى كل تلك الجوانب الفكرية والأخلاقية بتقدير وإجلال، كان منهجه في تناول مشكلات الروح أعمق كثيراً من تلك التي وجدتها في التوراة، هذا عدا أنه لم يأت لبشر دون بشر ولا لأمة بذاتها دون غيرها، كما أن منهجه في مسألة البدن بعكس منهج الإنجيل منهج إيجابي لا يتجاهل البدن، البدن والروح معاً يكونان البشر كتوأمين متلازمين، سألت: ألا يمكن أن يكون ذلك المنهج هو السبب الكامن وراء الإحساس بالأمن والتوازن الفكري والنفسي الذي يميز العرب والمسلمين" [166-168].

(2)

بعد أن غادر سوريا بقي شهوراً في تركيا في طريق عودته إلى أوربا لتنتهي رحلته الأولى إلى العالم الإسلامي.

"بدأت انطباعاتي عن تركيا تفقد حيويتها وأنا في القطار المتوجه إلى فينا وما ظل راسخاً هو الثمانية عشر شهراً التي قضيتها في البلاد العربية، صدمني إدراكي أني أتطلع إلى المشاهد الأوروبية التي اعتدتها بعيني من هو غريب عنها، بدا الناس في نظري في غاية القبح وحركاتهم خالية من الرقة، ولا علاقة مباشرة بين حركاتهم وما يدرونه ويشعرون به، أدركت فجأة أنه على الرغم من المظاهر التي تنبئ بأنهم يعرفون ما يريدون إلا أنهم لا يعرفون أنهم يحيون في عالم الإدعاء والتظاهر، اتضح لي أن حياتي بين العرب غيرت منهجي ورؤيتي لما كنت أعده مهماً وضرورياً للحياة، تذكرت بشيء من الدهشة أن أوربيين آخرين قد مروا بتجارب حياتية مع العرب وعايشوهم أزماناً طويلة فكيف لم تعترهم دهشة الاكتشاف كما اعترتني، أم أن ذلك قد وقع لهم أيضاً؟ هل اهتز أحدهم من أعماقه كما حدث لي " [178-179].

"توقفت بضعة أسابيع في فينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منـزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة (فرانكفوتر ذيتونج) وهو اسم يلقى التقدير والتبجيل في وسط أوربا في ذلك الوقت، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصـل إلى القمة" [179].

"رحلت بعد ذلك من فينا مباشرة إلى فرانكفورت لأقدم نفسي شخصياً إلى الصحفية التي كنت أمثلها في الخارج على مدى عام، كنت في طريقي إليها وأنا أشد ثقة بنفسي فالرسائل التي كنت أتلقاها من فرانكفورت أظهرت لي أن مقالاتي كانت تلقى كل التقدير والترحيب" [180].

"أن أكون عضواً عاملاً في مثل تلك الصحيفة كان مصدر فخر واعتزاز لشاب في مثل سني، وعلى الرغم من أن مقالاتي عن الشرق الأوسط قوبلت باهتمام شديد من قبل جميع المحررين إلا أن نصري الكامل تحقق في اليوم الذي كلفت فيه أن أكتب مقالاً افتتاحياً بالصحيفة عن مشكلة الشـرق الأوسط" [182].

"كان من نتائج عملي في جريدة (فرانكفوتر ذيتونج) النضج المبكر لتفكيري الواعي، كما نتجت عنه رؤية ذهنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فبدأت في مزج خبرتي بالشرق بعالم الغرب الذي أصبحت جزءاً منه من جديد، منذ عدة شهور مضت اكتشفت العلاقة بين الاطمئنان النفسي والعاطفي السائد في نفوس العرب وعقيدة الإسلام التي يؤمنون بها، كما بدأ يتبلور في ذهني أن نقص التكامل النفسي الداخلي للأوروبيين وحالة الفوضى اللاأخلاقية التي تسيطر عليهم قد تكون ناتجة من عدم وجود إيمان ديني قد تكونت الحضارة الغربية في غيابه، لم ينكر المجتمع الغربي الإله إلا أنه لم يترك له مكاناً في أنساقه الفكرية" [182].

بعد عودته إلى أوروبا من رحلته كان يحس بالملل إحساس من أجبر على التوقف قبل التوصل إلى كشف عظيم سيميط عن نفسه الحجب لو أتيح له مزيد من الوقت.

كان يتوق إلى العودة إلى الشرق مرة أخرى، وقد تحقق له ما أراد إذ إن رئيس تحرير الجريدة الدكتور هنري سيمون –الذي كان في ذلك الوقت مشهوراً في أرجاء العالم- قد رأى فيه مراسلاً صحفياً واعداً فوافق بحماس على عودته إلى الشرق الأوسط بسرعة.

(3)

عاد إلى الشرق ليقضي عامين آخرين بين مصر وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان، عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة عن عالم الغرب ظلت تزداد في ذهنه مع الأيام رسوخاً وثباتاً، عبّر عن هذه الصورة فيما يأتي: "لاحقاً إن الإنسان الغربي قد أسلم نفسه لعبادة الدجال، لقد فقد منذ وقت طويل براءته، وفقد كل تماسك داخلي مع الطبيعة، لقد أصبحت الحياة في نظره لغزاً، إنه مرتاب شكوك ولذا فهو منفصل عن أخيه، ينفرد بنفسه، ولكي لا يهلك في وحدته هذه فإن عليه أن يسيطر على الحياة بالوسائل الخارجية، وحقيقة كونه على قيد الحياة لم تعد وحدها قادرة على أن تشعره بالأمن الداخلي، ولذا فإن عليه أن يكافح دائماً وبألم في سبيل هذا الأمن من لحظة إلى أخرى، وبسبب من أنه فقد كل توجيه ديني وقرر الاستغناء عنه فإن عليه أن يخترع لنفسه باستمرار حلفاء ميكانيكيين، من هنا نما عنده الميل المحموم إلى التقنية والتمكن من قوانينها ووسائلها، إنه يخترع كل يوم آلات جديدة ويعطي كلاً منها بعض روحه كيما تنافح في سبيل وجوده، وهي تفعل ذلك حقاً، ولكنها في الوقت نفسه تخلق له حاجات جديدة، ومخاوف جديدة وظمأ لا يُروى إلى حلفاء جدد آخرين أكثر اصطناعية، وتضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة، وتفقد الآلة غرضها الأصلي – أي أن تصون وتغني الحياة الإنسانية- وتتطور إلى صنم بذاته، صنم فولاذ، ويبدو أن كهنة هذا المعبود والمبشرين به غير مدركين أن سرعة التقدم التقني الحديث ليست نتيجة لنمو المعرفة الإيجابي فحسب؛ بل لليأس الروحي أيضاً. وأن الانتصارات المادية العظمى التي يعلن الإنسان الغربي أنه بها يستحق السيادة على الطبيعة هي في صميمها ذات صفة دفاعية؛ فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسيمة والاجتماعية وبين أشواقه الروحية، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي؛ فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء.. الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال" [373].

في هذه الرحلة الثانية أمكنة أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظرة عن الإسلام، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء، يتصل بالزعماء.

"كان التفكير في الإسلام يشغل ذهني إن الأمر بدا لي في ذلك الوقت رحلة لاستكشاف ما أجهله من تلك المناطق، كان كل يوم يمر يضيف إلى معارف جديدة، ويطرح أسئلة جديدة لأجد إجاباتها تأتي من الخارج جميعها أيقظت شيئاً ما كان نائماً في أعماقي، وكلما نمت معارفي عن الإسلام كنت أشعر مرة بعد أخرى أن الحقائق الجوهرية التي كانت كامنة في أعماقي من دون أن أعي وجودها بدأت تنكشف تدريجياً ويتأكد تطابقها مع الإسلام" [255].

كان اليقين ينمو في داخلة بأنه يقترب من إجابة نهائية عن أسئلته، بتفهمه لحياة المسلمين كان يقترب يومياً من فهم أفضل للإسلام؛ وكان الإسلام دائماً مسيطراً على ذهنه " لا يوجد في العالم بأجمعه ما يبعث في نفسي مثل تلك الراحة التي شعرت بها والتي أصبحت غير موجودة في الغرب ومهددة الآن بالضياع والاختفاء من الشرق، تلك الراحة وذلك الرضا اللذان يعبران عن التوافق الساحـر بين الذات الإنسانية والعالم الذي يحيط بها" [238].

بهذه الروح من التسامح تجاه الآخر استطاع بسهولة أن يتخلص من انخداع الرجل الغربي وإساءته فهم الإسلام بسبب ما يراه من تخلف وانحطاط في العالم الإسلامي.

"الآراء الشائعة في الغرب عن الإسلام [تتلخص] فيما يأتي: (انحطاط المسلمين ناتج عن الإسلام، وأنه بمجرد تحررهم من العقيدة الإسلامية وتبني مفاهيم الغرب وأساليب حياتهم وفكرهم؛ فإن ذلك سيكون أفضل لهم وللعالم)، إلا أن ما وجدته من مفاهيم وما توصلت إلى فهمه من مبادئ الإسلام وقيمه أقنعني أن ما يردده الغرب ليس إلا مفهوماً مشوهاً للإسلام... اتضح لي أن تخلف المسلمين لم يكن ناتجاً عن الإسلام، ولكن لإخفاقهم في أن يحيوا كما أمرهم الإسلام.. لقد كان الإسلام هو ما حمل المسلمين الأوائل إلى ذراً فكرية وثقافية سامية" [243-244].

"وفر الإسلام باختصار حافزاً قوياً إلى التقدم المعرفي والثقافي والحضاري الذي أبدع واحدة من أروع صفحات التاريخ الإنساني، وقد وفر ذلك الحافز مواقف إيجابية عندما حدد في وضوح: "نعم للعقل ولا لظلام الجهل، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص. نعم للحياة ولا للزهد والرهبنة". ولذلك لم يكن عجباً أن يكتسب الإسلام أتباعاً في طفرات هائلة بمجرد أن جاوز حدود بلاد العرب، فقد وجدت الشعوب التي نشأت في أحضان مسيحية القديس بولس والقديس أوجستين... ديناً لا يقر عقيدة ومفهوم الخطيئة الأولى .. ويؤكد كرامة الحياة البشرية، ولذلك دخلوا في دين الله أفواجاً، جميع ذلك يفسر كيفية انتصار الإسلام وانتشاره الواسع والسريع في بداياته التاريخية ويفند مزاعم من روجوا أنه انتشر بحد السيف[246].

وكان ذكاؤه الحاد ونفاذ بصيرته، ونهمه إلى الاطلاع على التراث الفكري للمسلمين، يعمق معرفته بالإسلام فيبصره على حقيقته " كانت صرة نهائية متكاملة عن الإسلام تتبلور في ذهني ، كان يدهشني في أوقات كثيرة أنها تتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري، أي أنها تتم من دون وعي وإرادة مني، كانت الأفكار تتجمع ويضمها ذهني بعضها إلى بعض في عملية تنظيم ومنهجة لكل الشذرات من المعلومات التي عرفتها عن الإسلام . رأيت في ذهني عملاً عمرانياً متكاملاً تتضح معالمه رويداً رويداً بكل ما تحتويه من عناصر الاكتمال، وتناغم الأجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لا يخل جزء من بآخر، توازن مقتصد بلا خلل، ويشعر المرء أن منظور الإسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم الصحيح من الوجود" [381].

"كانت أهم صفة بارزة لحضارة الإسلام وهي الصفة التي انفردت بها عن الحضارات البشرية السابقة أو اللاحقة أنها منبثقة من إرادة حرة لشعوبها، لم تكن مثل حضارات سابقة وليدة قهر وضغط وإكراه وتصارع إرادات وصراع مصالح، ولكنها كانت جزءاً وكلاً من رغبة حقيقية أصيلة لدى جميع المسلمين مستمدة من إيمانهم بالله وما حثهم عليه من إعمال فكر وعمل، لقد كانت تعاقداً اجتماعياً أصيلاً لا مجرد كلام أجوف يدافع به جيل تالٍ عن امتيازات خاصة بهم... لقد تحققت أن ذلك العقد الاجتماعي الوحيد المسجل تاريخياً تحقق فقط على مدى زمني قصير جداً، أو على الأصح أنه على مدى زمني قصير تحقق العقد على نطاق واسع، ولكن بعد أقل من مائة سنة من وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- بدأ الشكل النقي الأصيل للإسلام يدب فيه الفساد، وفي القرون التالية بدأ المنهج القويم يزاح إلى الخلفية .. لقد حاول المفكرون الإسلاميون أن يحفظوا نقاء العقيدة؛ إلا أن من أتوا بعدهم كانوا أقل قدرة من سابقيهم، وتقاعسوا عن الاجتهاد... وتوقفوا عن التفكير المبدع والاجتهاد الخلاق... كانت القوة الدافعة الأولى للإسلام كافية لوضعه في قمة سامية من الرقي الحضاري والفكري.. وهذا ما دفع المؤرخين إلى وصف تلك المرحلة بالعصر الذهبي للإسلام، إلا أن القوة الدافعة قد ماتت لنقص الغذاء الروحي الدافع لها وركدت الحضارة الإسلامية عصراً بعد عصر لافتقاد القوة الخلاقة المبدعة، لم يكن لدي أوهام عن الحالة المعاصرة للعالم الإسلامي، بينتْ الأعوام الأربعة التي قضيتها في مجتمعات إسلامية أن الإسلام مازال حياً وأن الأمة الإسلامية متمسكة به بقبول صامت لمنهجه وتعاليمه؛ إلا أن المسلمين كانوا مشلولين غير قادرين على تحويل إيمانهم إلى أفعال مثمرة، إلا أن ما شغلني أكثر من إخفاق المسلمين المعاصرين في تحقيق منهج الإسلام الإمكانيات المتضمنة في المنهج ذاته، كـان يكفيني أن أعـرف أنه خلال مدى زمني قصير .. كانت هناك محاولة ناجحة لتطبيق هذا المنهج، وما أمكن تحقيقه في وقت ما؛ يمكن تحقيقه لاحقاً، ما كان يهمني- كما فكرت في داخلي- أن المسلمين شردوا عن التعليمات الأصلية للدين... ما الذي حدث وجعلهم يبتعدون عن المثاليات التي علمهم إياها الرسول – صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاثة عشر قرناً مضت ما دامت تلك التعليمات لا تزال متاحة لهم إن أرادوا الاستماع إلى ما تحمله من رسالة سامية؟ بدا لي كلما فكرت أننا نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى تعاليم تلك الرسالة أكثر من هؤلاء الذين عاشوا في عصر محمد – صلى الله عليه وسلم-، لقد عاشوا في بيئات وظروف أبسط كثيراً مما نعيش فيه الآن، ولذلك كانت مشكلاتهم أقل بكثير من مشكلاتنا... العالم الذي كنت أحيا فيه – كله- كان يتخبط لغياب أي رؤية عامة لما هو خير وما هو شر... لقد أحسست بيقين تام.. أن مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى أسس فكرية عقائدية توفر شكلاً من أشكال التعاقد بين أفراده، وأنه يحتاج إلى إيمان يجعله يدرك خواء التقدم المادي من أجل التقدم ذاته، وفي الوقت نفسه يعطي للحياة نصيبها. إن ذلك سيدلنا ويرشدنا إلى كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتنا الروحية والبدنية، وإن ذلك سينقذنا من كارثة محققة نتجه إليها بأقصى سرعة... في تلك الفترة من حياتي شغلت فكري مشكلة الإسلام كما لم يشغل ذهني شيء آخر من قبل، قد تجاوزت مرحلة الاستغراق الفكري والاهتمام العقلي بدين وثقافة غربيين، لقد تحول اهتمامي إلى بحث محموم عن الحقيقة" [380-386].

لقد صار في إمكانه أن يميز بين ما هو الإسلام وما هو غريب عنه في تصورات المسلمين وسلوكهم في رحلته الأولى رأى حلقة ذكر يقيمها الصوفية في أحد مساجد " سكوتاري" في تركيا ويصفها بهذه العبارات " كانوا يقفون في محيط واحد فاستداروا في نصف دورة ليقابل كل واحد منهم الآخر أزواجاً، كانوا يعقدون أذرعهم على صدورهم وينحنون انحناءة شديدة وهم يستديرون بجذوعهم في نصف دائرة .. في اللحظة التالية[كانوا] يقذفون أذرعهم في الاتجاه المعاكس الكف اليمنى ترتفع والكف اليسرى تنزل إلى الجانب، وتخرج من حلوقهم مع كل نصف انحناءه واستدارة أصوات مثل غناء هامس "هو" ثم يطرحون رؤوسهم للخلف مغمضين أعينهم ويجتاح ملامحهم تقلص ناعم، ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار... تحولت الدائرة إلى دوامات، اجتاحهم الانهماك، وشفاههم تكرز بلا نهاية(هو، هو)" [251].

وفي الرحلة الثانية يتذكر حلقة الذكر هذه ويعلق عليها "اتضحت في ذهني معاني لم تبد لي عندما شاهدت حلقة الذكـر [في سكوتاري]، كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة- وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية – لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني.. تبين لي أن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية، لقد شابت تأملات المتصوفة وأفكارهم أفكار روحية هندية ومسيحية، مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم غربية عن الرسالة التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، أكدت رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم- أن السببية العقلية هي السبيل للإيمان الصحيح بينما تبتعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها [من سلوك] عن ذلك المضمون، والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي، الانفعالات مهما تكن جياشة معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الأفراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية، كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال" [253].

كتب بعد ذلك بسنوات " (لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء) كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها الب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://startimes-arab.yoo7.com
اليمين
اديب المنتدى
اديب المنتدى
اليمين


ذكر
عدد المساهمات : 15
تاريخ التسجيل : 25/12/2011

74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Empty
مُساهمةموضوع: رد: 74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني    74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالأربعاء ديسمبر 05, 2012 7:17 pm

شكرا لك والله مجموعة قصصية رائعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اليمين
اديب المنتدى
اديب المنتدى
اليمين


ذكر
عدد المساهمات : 15
تاريخ التسجيل : 25/12/2011

74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Empty
مُساهمةموضوع: رد: 74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني    74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني  Emptyالأربعاء ديسمبر 05, 2012 7:22 pm

شوقتنا اخي ننتظر المزيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
74-محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام الجزء الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ستار تايمز-شباب العرب- :: الثقافة الاسلامية :: قصص وعبر-
انتقل الى: