القصيدة الحاصلة على جائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي

القصيدة الحاصلة على جائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي
في دورة الشعر العربي 2011 عن الثورة التونسية وقد تم نشرهما بجريدة " الأسبوع الثقافي " يوم الجمعة 01 جويلية 2011 بالصفحتين 18 و19 تحت عنوان " هكذا يحملنا ضوء".

هكذا يحملنا ضوء

شعر : محمد عمار شعابنية

تعرّى اللّيلُ
هلْ أبْصرْتَ ضوْءًا خارجَ النّفَقِ ؟
أنا يا صاحبي من شهْرْ
حمَلتُ وساوسي في الصّدْرْ
وكنتُ أتابع الأحداثَ
يكتبها دَمُ ويَؤُزّها غَضبُ
فأضطربُ
لأنّ كهولي أعوامُها ظمْأى إلى بلَدٍ
أوَدّ أراه مُرْتفعًا
ومُتّسعًا لكلّ بَِنِيهْ
فلا يغْتالهمْ جوعٌ ولا غَضَبُ.
أتعْرفُ أنّ لي وَلَدًا
بعيدًا قُرْبَ خطّ الحَتْفِ ( خُفْتُ عليْه
من موْتٍ فُجَائيٍّ) عَفاهُ اللهْ
وفي قَلَقٍ أَبِيتُُ أراهْ
إذا احتشدتْ مُظاهرةٌ
يسير بقَلْبها، يُحْصي ضحاياها
ويستدعي سجاياها...
أتذْكُرُ أنّنا كُنّا تهكّمنا من الأبناءْ
وقُلنا أيُّ جِيلٍ هُمْ بِغَيْرِ ضميرْ
وماذا يأكلون غدا إذا جاعُوا
وقد فُطِموا على " الياغورتِ" والحاسوبْ
على " الرّابّ "الفقير ورقصة " الهيبْ هُوبْ
وليس لهم " رؤى تمضي إلى وطَنِ ؟
خَطِئْنا يا صديقي
إنهم سبقوا أمانينا إلى التحريرْ.
أنفْرح أمْ نظلّ في شكّ وننتظِرُ؟
بلا فَرَحٍ .. بلا شَكٍّ
سنعبر دربَنا صُبحًا... ونعْتبُر .
الجمعة 14 جانفي 2011
××××××
غَسلْنا ثَوْب َ هذي الأرْضْ
نشرْنا في الضّياء دماءَنا لِيُرحّبَ الأُفُقُ
بأرْواح الذين تفسّحُوا في مَيْتَةٍ أجْدى
من العَيْش الذي بالذّلِّ يحْترقُ
سنذكرهم متى عاد الشّتاءُ
وعَلّقتْ أغْصانَها الأشجارْ
وقال التّرْبُ للأمْطارْ
سأرشُفُ ماءَكِ الطّاهِرْ
لأسْقِيَ منهُ سُنْبلةً
وكوْنا من حقول النّخْل والزَّيتونِ والعِِنَبِ
لشعْبٍ باسلٍ وأَبِي
لأنّ الشّعْب يسري في عروق الأرْضْ
فتمرُض عندما يَمرُضْ
وتَنْهضُ عندما ينْهَضْ
وتنْبُض عندنا ينبضْ
وترفُض كلَّ ما يرفُضْ...
لأنَّ الشّعْبَ إيِمان بحاضره وماضيه وآتِيهِ
ينام وعندما يصحُو
يُجدّد كلَّ ما فِيهِ
ويرفض منطقَ السّفَهاءْ
ويعْرف قِيمةَ الأشياءْ
××××××
غسلْنا ثوْب هذي الأرْضْ
لِنلْبَسَ ما يلِيق بنا
ونمشي في مناكبِها
ونجْري في مسارِبِها
وتحت سمائها ونقولُ:
نحن الفوْقُ
نحن الرّعْدُ نحن البرْقُ
نحن الطّول نحن العَرْضْ
السبت 15 جانفي 2011
××××××
كتبْناها فما أصْدقْ
وما أقوى ، وما أعمَقْ
ونكتُبها ... ونَنشُرها ... ونُنْشِدُها
فتقرَؤُها قُلوبُ النّاسْ
لأَنّ حُرُوفَها حُبٌّ
وَعٍطْرٌ طَيِّبُ الأنْفَاسْ
نَهَلْناها من النَّبْع الذي مِن صَحْوِنا انْدَفقَ
فأسْقى كلَّ مَنْ ظَمِئُوا
وعَمَّقَ في الرّؤى مجْراهْ
إلى غَدِنا الذي يأْتي
بِلا خَوْفٍ ... بلا خَجَلِ...
إلى شعْبٍ يقولُ ـ نَعَمْ ولا ـ بِلا وَجَلِ...
إلى مَن في الثّرى دَمُهُمْ
يُحَيِّينا صباحَ مساءْ
يَعُدّ خُطى مظاهرةٍ تَغَذَّتْ من أمانينا
وما سيصُوغُه الآتي
فيُزْهِرُ في أغانينا
وللحُريّة الحمْراءِِ أبْوابٌ
مفاتِحُها بأيْدِينا
الأحد 16 جانفي 2011
××××××
هكذا يحمِلنا ضَوْءٌ إلى صُبحٍ جديدْ
والجديدْ
أنّ بابَ الله مفْتوحٌ على آمالِنا
وأمانينا التي أخْرجَها الفِتْيةُ من قَبْوِ الحديدْ...
إنّهمْ أبناؤنا
وبهمْ نفتخِرُ
ولهمْ في ما أرادوا لِغَدٍ ننْتصرُ
فهُمُ القادةُ والسّادةُ
والآتي الذي ننتظِرُ
والعصافير التي يحْني لها الأغْصانَ دوْمًا شَجَرُ.
ربََّنا ...
أجْعَلْ لنا الأحياءَ والأمواتِ من أبنائنا قُرّاتِ أعْيُنْ
أجعلْ الدّربِ الذي يحفظ سيلا من دماهُمٍْ
خطْوَةً تُفْضي إلى قَفْز ٍ حَضاريٍّ مُؤَمَّلْ.
××××××
سيّدي !
وأنا سيّدُك العبْدُ الذي
يحمِل أثْقالاً من الماضي مَعَكْ
أنتَ قدْ حمّلتَني حرْفًا
وقدْ حمّلتكَ الإيقاعَ منْ شَهْرٍ(1)
فَلَمْ تتْعَبْ قَوَافينا
ولمْ نكْتُبْ كلامًا مُرْتَبَكْ
فإذا أوْصَلنا فصْل الكلامْ
ـ بالذي قُلْنا ـ إلى ما نشْتهي
فلأنّ الشّمْسَ لا تفتحُ حِضْنًا للظّلامِْ
ولأنّا من أغانينا التي نعزِفُها لمْ نَنْتهِ.
الجمعة 28 جانفي 2011
××××××
مرْحبًا بالشمسِ لا يحْجِبها غَّيْمٌ
ولا يُغمِض عيْنيْها سحابْ
مرحبًا بالقَمَر الضّاحكِ في أعْلى
وبالنّجْم الذي يسْبح في
لُغْزٍ فسيحْ
مرْحبًا بالأرْض يسقي طُهْرَها ماءٌ
ويَعْلُوها التّرابْ...
مرْحبٌا بالزّمَن الغابر والحاضرِ
والآتي الذي يرسُمنا
حرْفًا أنيقًا في كتابْ...
مرْحبًا بالشّعْب مزْهُوّا يرى
ألقَ التّحْرير تيجانًا على رَوْسِ الشّبابّّّْ
مرحبا يا بلدي...
يا صباحَ النّور.. يا أحْلى غِناءً في فَمي...
يا مساءَ الخيْر.. يا رعْشَةَ حُبٍّ في دَمي...
بالذي أطلَقَ في الدّنيا حياتي...
بالذي أمّن في قلْبي دُعائي وصلاتي
إنّني أشهَد أنْ لا دَرْسَ ـ مِِمّا نحن سطّرْناهُ ـ أوْعَى
لِشعوبٍ لمْ تزلْ تحمِلُ أثْقالَ الحياةِ.
×××××
يا صَفِيّي في قصيدْ
بكلامٍ دافقٍ يحْتفِلُ
مثْلما عوّدتَني
لا تَدَعْ صَوْتَك حِذْوَ الصَّمْتِ يَلْعَبْ
ولْنُعاهِدْ وَطَنًا يُلْهِمنا ما نَكْتُبُْ
دون شرْطٍ أو مُداراةٍ إلى أنّا إلى أحْلامِه نَنْتَسِبُ
فإذا عاودنا شَوْقٌ إلى منْجَمنا (×)
وإلى أحبابِنا العُمّال في أعماقِهِ
وإلى الفسفاط يكْسُو
حَيْرَةً تُورِقُ في أحْداقِهِ
فَلأَنَّ النّار في "زِمْرَا" غَلَى مِرْجَلُها(××)
وتلظّى وَهْجُها من سنَتَيْنْ
فَمشتْ أرْجُلُها
لتطُولَ الثّوْرة الشّماءُ أرجاءَ البِلادْ...
ولأنّ الهبّةَ الخضراءَ قدْ طالت سماءَ القاهِرهْ
فلْيَكُنْ في كًَفّها سيْفُ المصيرْ
خوْفَ أن يصْرخَ جُرْحٌ فاغرٌ
مِصْرُ لمْ تَخْرُجْ إلى السّاحاتِ إلاّ
لِيعيدَ الشارعَ المَغْلُوبَ تنظيمَ المرورْ
الاثنين 31 جانفي 2011
××××××
نحن عِشْنا التّجْرِبهْ
لمْ نكُن من عَسَلٍ نرْشُفُ بَلْ
كُنّا منَ الأوجاعِ نَسِْقي بَعْضَنا
ومن الأحلام نرْوي أرْضَنا...
كان حُلْوٌا أنْ أرَى إبْني
أرى إبنَكَ
أبْناءَ القُرى والمُدُنِ
كُلُّهمْ يمشُون نحو الشّمس
في كوْكَبةٍ عُظْمى
معانيها نِداءُ الوَطَنِ...
إنّها الثّوْرة لا تُهْمِلُ إذْ تُمْهِلُ
شاء الله أنْ يجعلها حبْلَ نَجاةْ
للحيارى اليائسينْ
واصْطفاها الشّعْبُ جِسْرًا للحياةْ
وحريقًا يتلظّى في صدور الخائنينْ.
××××××
ما الذي أكتب بعد الآنَ؟
لي صبْرٌ على ما فاتَنِي
لي مَوْعدٌ يطلبُ أن أبذُرَ أفْكاري وناري
زعْفَرانًا في القصيدْ
والجديدْ
أنّني أحيا كما لوْ أنّ ليِ
رُوحَيْنِ كَيْ أحْيَا
وأسْقي ما تبَقّى من حياتي في الوجودْ...
رُبّما أنشُر أخطائي...
وقدْ أنشر صِفْرًا من صوابي
وعلى كَفّةِ بابي
أكتب اللفْظ الذي يعجَبُني
وأنا حُرٌّ ّ لأن الشّعبَ قدْ حَرّرني..
ما الذي أكتُب ؟
لي حَرف
وللجنْديّ في الميدان سيْفْ
وأناشيدُ...
ولي جارٌ يقول الآنَ لنْ يذهبَ مجهودي سُدَى
ولِمن يمْخُر في بحْر غناءٌ ومَدَى
ولِمنْ يحرِث أو يزْرعُ دِفْءٌ ونَدى
ولنا كَمٌّ وكَيْفْ
وعليْنا أنْ نصُون الوَطن المأمونَ من جُوعٍ وخَوْفْ.
××××××
وطني يعْلو ولا يُعْلى عليْهْ
وطني يحمِل رُوحي
مثل عصفورٍ صغيرٍ في يدَيْهْ
وطني أوْسعُ من كَوْنٍ ، وحَطْوي
مثْل كلّ الشّعب يمْشي
في وقار ٍ بي إليْهْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نصوص من التراسل الشعري عبر الفايسبوك مع الشاعر حسن بن عبد الله في الفترة المواكبة لمسيرة الثورة الشعبية للكرامة والحرية من أواخر ديسمبر 2010 إلى أواسط فيفري 2011.
(×) الشاعران ينتميان إلى المتلوي والرديف مَهْدَيْ مناجم الفسفاط بالجنوب الغربي التونسي .
(××)زمْرا منجم من مناجم منطقة الرديف التي انطلقت منها في أوائل سنة 2008 الشرارة الأولى للثّورة ـ بلا منازع ـ لتندلع شاملة حلال شتاء سن ة 2011 .