الرسالة السادسة
أي أخي:
أعترفُ بتقصيري البالغ نحوك، أشعر بالندم والحزن تجاهك، لا أدري كيف حدث هذا التقصير. مهما اعتذرت فإني نادم , مهما فعلت فإنني لا أستطيع القيام بحقوق الأخوة.
أخي: بالأخوة العظيمة نقتحم كل العقبات.. كل الصعوبات، كم لنا قصص فوق الخيال والمحال من الحب العجيب والتضحية والإيثار، فبحقي عليك ألا تستكبر عن الإعتراف بالخطأ لأخيك، وبحقي عليك أن تبذل جهداً لاستئناف مسيرة الإخاء ، كلما تعكر الماء .
أي أخي:
الأيام بلا إخوان جد خسارة فإذا مات الإخاء في الله من قلوب الناس سيتوقف المد والمدد ويتعامل الناس بلا عواطف ولا مشاعر ولا شعور. انتَ الآن في خاطري فرحةٌ كلما ذَكَرتُكَ , أنت في قلبي كالنور وفي روحي كالضياء فليكن لك إخوان كذلك.
(إنَّ المؤمنَ لينتفعُ برؤيةِ أخيه شهراً) هذا المعنى جميل والذي قاله كان يتذوقه تماماً لعلنا الآن نتذوقه جيداً .
أي أخي:
إن الحب في الله قدرة :
قدرة على الإعتصام – قدرة على الثبات – قدرة على البقاء – قدرة على العفاف – قدرة على مواصلة الحب، ولن يتصل الحب إلا إذا كانت له مناسك وآداب , لهذا كان أدب الحب في الله كالنور كالماء كالهواء لهذا الحب .
أي أخي:
فجأة وجدت عاطفتي نائمة غير متأججة لا أدري ما السبب؟ أهو الجهد أو هو المرض أو هو الشيخوخة لا أعتقد فماذا يا ترى ؟ الظروف التي أعيشها في هذه الأيام لها تكاليف كبيرة وأعباء كثيرة ولقد اعتدت على ذلك ، لكني كنت دائماً أجد نبض القلوب وإشراقةَ العاطفة فيعطيني هذا مدداً وسعادة، إنك عندما لا تجد أخاً يعطيك هذا تشعر بالخمول . لا شك أن هذه المعاني والمشاعر موجودة لكن عليك أن تُشْعِرَ بها الآخرين ، من ذا الذي يكشف الغطاء عن هذه الحقائق أو يفتح نوافذها او يطرق أبوابها.
إن الحياة بدونها تبقى بلا حركة قوية ولا باعث شديد.
أي أخي:
بادر بالتصرف الذي يقربك من إخوانك ويقربُ إخوانَكَ إليك، كُنتُ في جلسة فدخل أخ ، أسرعت فأرسلتُ له كوبَ شاي , تَعَجّبَ أحد الإخوة وقال لي هل تعرفه ؟ قلت: معرفة شخصية لا ولكن معرفة إسلامية أعرفه جيداً. قال: ولماذا تقدم له كوب شاي وأنت لا تعرفه ؟ قلت لأني أرغب في معرفته ورسولنا يعلمنا الوسيلة "تهادوا تحابوا".
يا أخي (الدعوة حبٌّ) (ولا دعوة بغير حب) ولا يمكن أن يلتقي آلاف الإخوان برغبة ملحة صارخة يأتون من كل فجٍ عميق إلا إذا كان هناك رابط قوي ولا أقوى من رابطة الحبِّ. ولما كان الأمر كذلك فإنه لا يصلح لهذه الدعوة إلا من كان له قلب. والقلب هو مستودعُ الرحمات ومنبع الخير والنور، إنه الحب في الله الذي جمع الأبيض والأسود والشامي والمغربي، والرشيدي والهندي، والطالبَ والمدرس ، ثم يتطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى سلامة الصدر، ثم الإيثار، ثم الفداء. ثم أنظر إلى آلاف الشباب المسلم الواعي فانك لا ترى فيه من يدخن السيجار فضلاً عما سوى ذلك ، ألا ترى أن أموال الدولة سوف تكون في حصنٍ أمينٍ بيد هؤلاء ؟ ألا ترى أن أوقات الأمة وكرامتها ستكون موفورة على يد هؤلاء , فالحب في الله عاطفة وتربية وتكوين .
أي أخي:
بالحبِّ تُفتحُ القلوب، تصور أنّ ابتسامة واحدة بصدقٍ وإخلاص (تأتي بالعجائب) فكم من رجال في الإسلام دوخوا أعداءَ الله دخلوا الإسلامَ بابتسامةٍ واحدة . وهذا رسولنا العظيم
صلى الله عليه وسلم كم فتح قلوباً متحجرة بكلمةٍ طيبة ويدٍ حانية ودعاء في السحر (اللهم اهدِ قومي فانهم لا يعلمون) (مَن نظر إلى أخيه نظرة ودٍّ غفر الله له).
أي أخي:
كثيرون يقولون:
ماذا فعل الإسلاميون؟ يا سيدي الدعوة عملها في كل دقيقة وفي كل ميدان، ومع كل قلب (وحسن البنا شاهد على ذلك) ماذا فعلنا؟ لقد دعونا شعبنا بكل عواطف الحب والرحمة، إننا نحب شعبنا الإسلامي في كل مكان ولَنْ يُولِّدَ الحب إلا الحبَّ، ألا ترى أن هذا وحده كبير كبير في ميزان الأعمال.