أدوات السياسة الخارجية[الإعلام مثالا]

أدوات السياسة الخارجية[الإعلام مثالا]
بقلم عزيز دوادي اوت2012
مقدمة:
متابعة للمقالات السابقة ....سأحاول في هذه المقالة التطرق إلى أدوات السياسة الخارجية ممثلة في الدبلوماسية التقليدية والدبلوماسية الاقتصادية والأداة الدعائية ثم الإستراتيجية أو ما يسمى بالحرب وسأركز على العنصر الثالث ممثلا في الدعاية أو الإعلام لما تمثله هذه الأداة من أهمية قصوى في إدارة العلاقات الدولية بين الدول حيث قيل :إذا أردت أن تقتل شخصا فلا تطلق عليه رصاصة بل أطلق عليه كلمة..لذلك نجد أن الدول تعطي أهمية كبرى للإعلام ولوسائل الإعلام وتحاول توجيهها بالشكل الذي يخدم مصالحها ويتجلى ذلك جليا ابيضا في الانقلابات حيث يسعى الانقلابيون في دولة ما إلى السيطرة على مقر التليفزيون وبث رسائل وبيانات تخدم العملية التي أقدموا عليها....

أدوات السياسة الخارجية:
أولا: الدبلوماسية التقليدية: أو ما يسمى بفن التفاوض والإقناع وفن تحقيق الدولة دونما إراقة للدماء بصيغة أخرى هي الوجه الناعم للقوة أو فن إدارة العلاقات الدولية على طاولات المفاوضات....بعبارة أخرى هي فن استخدام الذكاء واللباقة بما يحقق المصلحة القومية لدولة من الدول وهي أسلوب الثعلب حسب ميكيافيللي والذي يقوم على صفات الرياء والمكر والخديعة والحيلة وهي الأداة التي تلجأ إليها الدول لتحقيق أهداف سياساتها القومية بالنظر إلى أنها أقل كلفة من الأدوات الأخرى...

ثانيا:الدبلوماسية الاقتصادية:
الأداة الثانية تتمثل في الدبلوماسية الاقتصادية:ويقصد بها استخدام الدولة لمقدراتها الاقتصادية في التأثير على الدول الأخرى وتوجيه سلوكها السياسي في الاتجاه الذي يخدم المصلحة القومية لهذه الدولة وبطبيعة الحال فهذه السياسة تنتهجها الدول الغنية في مواجهة الدول الفقيرة ولها وجهان:
1-الترغيب :
ويعني منح المساعدات الاقتصادية للدول الممالئة أي التي تتماشى سياستها مع مصالح الدولة المانحة... مثل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لدول مثل مصر وباكستان نظير خدماتها للأمريكان ...
2-الترهيب:
ويعني منع المساعدات وفرض عقوبات على الدول المناوئة أي الدول المناهضة والتي لا تتماشى سياساتها مع مطالب الدولة المانحة مثل الحظر الأمريكي على كوبا منذ تحولها إلى الشيوعية على اثر انقلاب كاسترو في 1959.

ثالثا:الأداة الدعائية:
وهي التي سنركز عليها أكثر في مقالنا هذا ونعني بها استخدام الدولة لمختلف وسائل وتقنيات الاتصال الدولي في التأثير بالرأي العام الأجنبي وتوجيهه بما يخدم المصلحة القومية للدولة...سواء من خلال استمالة الرأي العام العالمي نحو التعاطف مع قضاياها أو بث الفرقة في صفوف الدولة المعادية أو المستهدفة أو لتحطيم الروح المعنوية لجيوش الأعداء أو زعزعة الاستقرار السياسي داخل هذه الدول من خلال إثارة الأقليات داخلها أو المعارضة مثلا...
وعملية الاتصال الدولي كما هو معروف تتألف من أربعة عناصر رئيسة هي:

1-المرسل:أي الدولة القائمة على بث الرسالة.
2-الرسالة:أي المادة الدعائية المراد بثها..
3-الوسط:أي وسيلة نقل المادة الدعائية مثل الإذاعة أو التلفزيون أو السينما أو الانترنت ..
4-المتلقي:وهو الطرف المستهدف بعملية الاتصال..
ولعملية الاتصال الدولي ثلاثة أنماط رئيسة هي:

1- الإعلام الدولي: ويسمى إستراتيجية الحقيقة حيث تنطوي الرسالة الإعلامية على مجموعة من الحقائق دون غيرها...بهدف استمالة رأي عام ما نحو التعاطف مع قضية ما مثل إذاعة أفلام تذاع إلى الغرب بهدف إظهار حقيقة الإسلام مثلا..
2-الدعاية الدولية:وهي تقديم وسائل تنطوي على حقائق وأكاذيب وكلما استطاعت الدولة أن تظهر الأكاذيب على أنها حقائق كلما كانت مادتها الدعائية ناجحة مثل الأفلام المنتجة أمريكيا لتشويه النازية وخاصة ما تعلق بقضية الهلوكوست
3-الحرب النفسية:وهي أسلوب الكذبة الكبرى وال>ي يستهدف بالأساس تحطيم الروح المعنوية للدول المعادية مثل حديث الأمريكيين عن إستراتيجية الصدمة والرعب قبيل الغزو الأمريكي للعراق...
ومن أشهر ألأجهزة الدعائية التي عرفها العالم المعاصر جهاز الدعاية النازي تحت قيادة جوبلز الذي كان يعرف الدعاية على أنها ذراع الحرب ...ونتذكر هنا مقولة هتلر لأحد رؤساء تحرير إحدى الصحف الألمانية:اكذب حتى يصدقك الناس...
ولو فتحنا الملف الإعلامي أو الدعائي واعتباره الذراع الطولى للحرب نجد أن الأمثلة كثيرة ولا يمكن التطرق إليها كلها...
وقبل الخوض في التفاصيل لا بد أن نتطرق إلى بعض الأدوات التي تلجا إليها الدول لإسكات الإعلام المناوئ حيث غالبا ما تلجأ هذه الدول إلى التضييق على وسيلة إعلامية ما أو التشهير بها بغرض إلحاق الضرر بها لدى الرأي العام أو تلجا إلى قطع البث عنها مثل ما يحدث في الإعلام الفضائي أو تلجأ حتى إلى تصفية الإعلاميين وقصف مقرات هذه الوسائل الإعلامية وتدميرها أو تدمير محطات البث....ولكي نوضح الصورة أكثر ن>كر بعض الأمثلة من الواقع الذي عايشناه خلال السنوات الأخيرة....

استهداف الإعلام لقطات وسقطات:
فيما يلي نسوق جملة من الأمثلة التي توضح لجوء الدول إلى وسائل كثيرة لإسكات الصوت المخالف لسياستها وردود الأفعال الصادرة عن الدول المستهدفة....
1-استهداف الولايات المتحدة الأمريكية لبعض وسائل الإعلام والتي عكرت صفو الامريكين بنقل الفضائح الأمريكية ومجازرها إلى العالم مثلما فعلت في أفغانستان بقصف مقر الجزيرة أو في العراق باستهداف المراسلين العاملين في مختلف المحطات كالعربية والجزيرة وحتى الصحافيين الغربيين...
2-قصف الكيان الإسرائيلي لمحطات البث التلفزي الأرضي والفضائي والإذاعي في لبنان خلال حرب تموز2006 وكذا تدمير مقر قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني...حيث رأت في هذه القناة خطرا على مصالحها و أهدافها وقبل ذلك كانت قد حرضت الأوربيين على قطع بث القناة على القمر الأوربي هوتبرد...
3-نفس الشيء قام به الكيان العبري تجاه قناة الأقصى التابعة لحماس في غزة حيث تم تدميرها كما سعى قبل ذلك إلى التشويش على تردداتها بل حتى الدخول على أمواجها وبث رسائل تخدم مصالحه وأهدافه بتحريض الفلسطينيين بالخروج عن المقاومة والإخبار عن المقاومين وعرفنا في حرب غزة كيف استطاعت المقاومة بدورها اختراق القنوات الإسرائيلية العاشرة والثانية ولمدد زمنية تصل إلى 35 دقيقة وبث رسائل تخدم أهداف المقاومة... فيما يعرف بصراع العقول بين طرفي الصراع..
4-التشويش المتواصل على بعض القنوات الفضائية بغرض عدم وصولها إلى المشاهدين كما حدث أثناء الثورة المصرية باستهداف الجزيرة والعربية وغيرهما ...نفس الأمر حدث مع الثورة الليبية....
5-استهداف قناة الزوراء قناة المقاومة العراقية التي كانت تنقل عمليات المقاومة العراقية الباسلة ضد القوات الاستعمارية وذلك بإغلاقها أو بالتشويش على تردداتها...
6-فتح قنوات فضائية تخدم مصالح الدول المعتدية مثل قناة الحرة العراقية وهي قناة أمريكية بامتياز...
7-قصف قناة الإخبارية السورية التي دأبت على كشف المؤامرة التي تتعرض لها سوريا هذه القناة التي أرقت المعارضة المسلحة ومن ورائها الداعمين لها من عرب وترك وأمريكان وغيرهم...وقد قتل خلال القصف 3من العاملين بالمحطة...
8-إغلاق قناة الدنيا ومنعها من البث أو التشويش على بثها أو اختراق تردداتها وبث مواد تخدم مصالح المعارضة...
9-استهداف الإعلاميين السوريين في أكثر من محطة إعلامية من صحفيين ومذيعين ومصورين....ومنهم إعلاميو القناة السورية...
10-خطف ترددات القنوات السورية وبث إخبار زائفة وملفقة عما يجري في سوريا...
11-عقد اجتماع للوزراء العرب مؤخرا والذي أمر بمنع القنوات السورية على القمر العربي عرب سات والقمر المصري نايل سات....
12-الاعتماد على التضليل الإعلامي لقلب الحقائق واستدعاء لهذا الغرض خبراء في السياسة والتحليل الاستراتيجي لدعم فكرة ما على حساب الحقيقة المجردة...ولقد عرفنا بعض المأجورين أثناء الحرب على غزة وكيف كانوا ينشرون قذارتهم على قناة العربية تحديدا....
13-اختيار أشخاص أكفاء في الدعاية وتعيينهم في المراكز الإعلامية أو كناطقين باسم الجيوش أو الوزارات لتمرير الرسائل التي يريدون تمريرها لإحداث أكبر قدر من التأثير في الجانب الآخر...
هذه بعض الأمثلة عن الحرب الإعلامية الشرسة التي تدور بين الدول المعتدية والمعتدى عليها والصراع أصبح كما يشهد الجميع صراع إرادات و صراع عقول والغلبة دون شك تكون للأكثر استعدادا والأكثر ذكاء..
بعد استعراضنا لأدوات السياسة الخارجية من دبلوماسية تقليدية ودبلوماسية اقتصادية ثم الأداة الدعائية والتي ركزنا عليها أكثر في هذه المقالة نصل إلى الأداة الرابعة ويتعلق الأمر بالأداة الإستراتيجية.

رابع:الأداة الإستراتيجية:الحرب
وهي الملاذ الأخير أمام الدولة لتحقيق ما فشلت في تحقيقه الوسائل الأخرى...وتعرف الحرب بأنها عملية القتل الجماعي الغائي المنظم والذي نستهدف به إجبار الخصم على الامتثال لإرادتنا ...
إنها بتعبير آخر فن إيقاع الهزيمة بالآخرين بأقل الأعباء والخسائر في صفوفنا وما يتبناه الكيان العبري دليل على ذلك...
أنها في صورة أخرى فن إراقة دماء الآخرين من أجل تحقيق مصالح الدولة..
إنها الأسلوب الخشن للقوة...
وعند ميكيافيللي هي أسلوب الأسد القوة البطش العنف حيث قال في ه>ا المجال:إذا لم يفلح أسلوب الثعلب في خطف عنقود العنب فليسمع زئير الأسد بمعنى ا>ا لم تجد الدبلوماسية في تحقيق أهداف الدولة فلتدق طبول الحرب..

خاتمة:
إذن مما سبق نجد أن الحرب النفسية هي واحدة من أدوات السياسة الخارجية للدول والتي يتم اللجوء إليها لإثارة الفوضى داخل حدود دولة من الدول بغرض استهدافها وبأقل الأضرار الممكنة ...و من أشد الأدوات تأثيرا وفتكا بحيث يمكن قلب الأوضاع داخل دولة من الدول بنشر خبر كاذب...