عزيز دوادي‏ أزمة الكهرباء في الجزائر: بقلم عزيز دوادي 8اوت2012.

عزيز دوادي‏
أزمة الكهرباء في الجزائر:
بقلم عزيز دوادي 8اوت2012.
مقدمة:
الكهرباء من الحاجيات الضرورية في حياة الإنسان بالنظر إلى الاستعمالات الكثيرة لهذه المادة الحيوية سواء تعلق الأمر بالإضاءة أو التسلية أو الترفيه أو القيام ببعض الأعمال التي تستخدم فيها أجهزة تتغذى على الطاقة الكهربائية دون إغفال الضروريات الأساسية في حياة الإنسان من إعداد الطعام وحفظه وغسيل وراحة وما إلى ذلك.....إذن فالكهرباء من الأشياء الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال ومن هنا جاءت أهمية هذه المادة التي نتناولها في هذا الموضوع ...
أزمة الكهرباء الأسباب والمبررات:
كلما جاء الصيف إلا ورجعت الانقطاعات المتكررة للكهرباء في كل مناطق الوطن تقريبا وفي كل مرة نسمع تصريحات من مسئول أو آخر يخبرون فيها بأن المشكلة راجعة لقدم التجهيزات واهتراء الشبكات وان مصالح الشركة- يعني شركة سونلغاز- تعمل بكل فرقها وإمكاناتها للقضاء على هذه الانقطاعات وان الشركة ستستثمر كذا مليار دولار لحل المشكل بشكل نهائي واستبشرنا خيرا لما صرح مسئولو الشركة في العام الماضي بأن الجزائر لن تعرف انقطاعا في الكهرباء في السنة المقبلة- أي هذه السنة- وذلك نظرا للجهود التي بذلتها الشركة لإنتاج ما يكفي الجزائريين من الكهرباء بل إن الكمية الزائدة ستصدر للخارج....كلام من هذا القبيل كلام جد منطقي في بلد لا يعد من الساكنة إلا 36مليون نسمة مقارنة ببلدان تعد مئات الملايين مثل الولايات المتحدة أو حتى مليارا ونصف المليار مثل الصين والهند وأن ما تحتاجه مثل هذه البلدان من الكهرباء يضاهي أضعافا مضاعفة حاجة الجزائر لهذه المادة بالنظر إلى الآلة الصناعية الضخمة الموجودة بها....كما أن الجزائر تمتلك كل المقدرات لتكون بلدا مصدرا للكهرباء لا تغطية الحاجيات الداخلية فقط وهذا يمكن الخزينة العمومية من ملايين الدولارات إن لم نقل المليارات .... ومن هذه الإمكانيات أن الجزائر تمتلك عشرات السدود الكبرى والتي يمكن إقامة محطات التوليد عليها وإنتاج آلاف الميغواطات من الكهرباء أيضا يمكن اللجوء لتوليد الطاقة من البحر والجزائر تملك ساحلا بطول 1300كلم ثم إن الطاقات البشرية متوفرة وبشكل كبير جدا بل حتى المتخصصة في المجال كما أن الجزائر تتوفر على أموال طائلة مكدسة في البنوك ولا يستفاد منها بل إن جزءا كبير من هذه الأموال يستفيد منها الأمريكان والأوربيون دون أن يرجع ذلك على الجزائر بفوائد أو مكاسب ذات قيمة....
فاحتياطي الصرف يكفي للاستثمار في أكثر من قطاع وليس في قطاع الكهرباء فقط ولكن العقلية الجزائرية التي يسيطر عليها النمط المنفعي جعل هذه الأموال نقمة على الجزائريين بدل أن تكون نعمة نستثمرها في الإقلاع بالجزائر وفي مختلف المجالات وبناء اقتصاد قوي لا يتأثر بالهزات التي تحدث هنا وهناك ... إن مشكلة الكهرباء التي عادت هذه الصائفة بقوة جعلت المواطنين يخرجون إلى الشوارع في احتجاجات شبه يومية تمثلت في غلق بعض الطرقات والاحتجاج أمام مقرات سونلغاز ومقرات البلديات بل أخذت هذه الاحتجاجات منحى تصاعديا خطيرا في اليومين الأخيرين أدت إلى حرق بعض مقرات سونلغاز ...فلا يعقل أننا في 2012 وعلى مشارف 2013 ونحن نعيش أزمة كهرباء خانقة كأننا في لبنان الغارق في الديون أو العراق الخارج منهكا من الحرب أو حتى الصومال الذي لم يعرف الاستقرار منذ أمد بعيد....
والعجب كل العجب أن يخرج علينا المسئولون ليقولوا أن المشكلة راجعة بالأساس إلى الاستهلاك الواسع للجزائريين من هذه المادة ... نعترف أن الجزائريين يستهلكون كمية كبيرة تصل إلى 11000 ميغاواط وهي نفس الكمية المنتجة-هذا على الأقل في أوقات معينة من السنة.ولكن هذا المبرر الذي يسوغ له هو لعمري عذر أقبح من ذنب...إذ يمكن للجزائر أن تنشئ محطات جديدة لتغطية العجز حتى ولو تم اللجوء إلى تلك التي تعتمد على الغاز ونحن بلد الغاز. في سياق متصل يرجع المسئولون المشكلة إلى اهتراء الشبكة الوطنية وقدم بعض المحطات والتي أصبح غلقها أمرا ضروريا....والحل في رأي المسئولين هو رفع تسعيرة الكهرباء وحمل الجزائريين على الاقتصاد في الكهرباء للخروج من الأزمة والقضاء عليها بشكل تدريجي...
المسئولون والحلول السهلة:
وأنا أقرأ موضوعا في جريدة الخبر ليوم 7اوت2012 يتناول أزمة الانقطاعات المتكررة للكهرباء وتحديدا تصريح الرئيس المدير العام لمؤسسة سونلغاز والذي قال فيه بالحرف :"على الجزائريين أن يستعدوا لرفع تسعيرة الكهرباء" تعجبت لهذا التصريح وقلت في نفسي بدل أن يلجأ مسئولو الشركة لإصلاح الأمور والقيام بواجبهم كما يجب في تحديث الشبكات وتجديد المحطات بتعويض المولدات القديمة بمولدات جديدة إضافة إلى إنشاء محطات جديدة وفتح المجال للاستثمار في التكنولوجيات الجديدة و في الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وتنفيذ المشروع العالمي لتوليد الطاقة الشمسية المقرر إقامته في الصحراء الجزائرية والذي سيزود شمال إفريقيا ووسطها وكامل أوربا بالكهرباء ...هذا المشروع الذي يمكن للجزائر أن تجني منه الكثير بل ينسيها في ثروة البترول ...بدلا من ذلك يلجأ المسئولون إلى أسهل الطرق وهي ابتزاز المواطنين الغلابى وامتصاص دمائهم وإرهاقهم بمصاريف جديدة بكل تأكيد ستجعل الجزائريين من الفئات المحدودة والمتوسطة الدخل إلى الاستغناء عن الحليب والاكتفاء بالخبز والماء في أحسن الأحوال...
نستطيع أن نتفهم انقطاع الكهرباء في الشتاء الماضي بسبب العواصف الثلجية التي ضربت البلاد وتسببت في إعطاب الشبكات وسقوط الأعمدة وما إلى ذلك ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفهم المبررات التي يقدمها المسئولون هذه الأيام ...فبدل أن يشمروا عن ساعد الجد ويتقوا الله في الجزائر وشعبها ويجتهدوا في القيام بالمهام التي كلفوا بها تجدهم يتهربون من مسؤولياتهم ويعلقون فشلهم على مشاجب الآخرين....
من أين يؤتى بالمخصصات المالية لتمويل الاستثمارات؟
ربما يتساءل البعض من أين بالأموال لتمويل هذه المشاريع؟ إجابة على السؤال نقول :يمكن تخصيص بعض المليارات من احتياطي الصرف للقضاء على المشكلة وبشكل نهائي....وإذا اعتبر مسئولونا أن احتياطي الصرف لا يجب أن يمس ففي ذلك مساس بأمن ومستقبل الأجيال كما يعتبر هذا الاحتياطي دعما قويا لاقتصادنا وحماية له من الهزات التي يمكن أن تتأتى من هبوط محتمل لأسعار البترول في عالم متقلب لا يمكن التنبؤ فيه بشكل دقيق في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بكل دول العالم تقريبا بداية بأمريكا وصولا إلى أوربا ....وردا على هذه الرؤية أقول: لا خير في مال لا نستفيد منه في وقت الشدة والأمر أشبه بحال رجل غني يبخل على نفسه وأهله بما آتاه الله من مال...
لنترك احتياطي الصرف جانبا ولنبحث عن مصدر آخر والمتمثل في بالملايير التي تصرف في حفلات المجون والرقص والغناء هنا وهناك وما يصرف بالمهرجانات كفيل بان يقضي على أزمة الكهرباء والمياه والسكن وغيرها تخيلوا معي مغني جزائري يحصل خلال حفل دام ساعة واحدة على 5مليارات سنتيم كاملة....بعملية حسابية بسيطة كم مسكنا يمكن انجازها بهذا المبلغ الضخم ....لنفرض أن صندوق السكن يمنح 70مليون سنتيم كمساعدة للبناء الريفي فيمكن أن نبني تقريبا 72مسكنا ... هذا المبلغ الضخم يمنح لمغن كمقابل له على وصلة غنائية دامت ساعة من الزمن ....
دون شك هذا المبلغ يمكن أن نساهم به في بناء محطة متطورة وحديثة لتوليد الكهرباء بدلا من صرفها في الغناء ....والكلام عن الحفلات والمهرجانات يطول ويمكن أن يصيبنا بالقرف إذا عرفنا بالملايير التي تصرف من اجل العبث واللهو واللغو ....وهنا يمكن أن نذكر أمثلة أخرى فما تم صرفه في مهرجان الرقص الإفريقي و في تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية وأخيرا ما تم إنفاقه في خمسينية الاستقلال وما حدث فيها من تبذير للمال العام كفيل بحل الكثير من القضايا العالقة والتي تؤرق حياة المواطنين...
والحديث عن مشكلة الكهرباء تجعلنا نعرج على مشكلة الغاز... فما يعيشه الجزائريون كل شتاء من ويلات بسبب غياب قارورات الغاز التي تستعمل للتدفئة وإعداد الطعام وما إلى ذلك من الضرورات... والتصريحات الواهية للمسئولين بخصوص الأزمة تشعرنا بالمرارة إذ كيف بالغاز الجزائري يصل إلى مشاتي معزولة في أوربا...وأما أحياء متاخمة للمدن -اكبر المدن الجزائرية- تجدها تفتقر لهذه المادة الحيوية مما يوحي بعجز كامل في تسيير شؤون المواطنين والتكفل بانشغالاتهم وحسب الأولويات...نحن متيقنون أن الدولة تستطيع أن تحل مشكلة الغاز ومشكلة الكهرباء إذا أسندت المهام لأشخاص يؤمنون بالمصلحة العليا ويضعونها فوق كل اعتبار ويبذلون كل جهدهم لخدمة المواطنين وخدمة الجزائر فالكفاءات موجودة والأموال موجودة ولم يبق إلا الإرادة السياسية وإسناد المهام إلى أشخاص يؤمنون بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"....وبهكذا رجال يمكن أن نبني جزائر العزة والكرامة التي طالما تغنى بها فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة...
مشكلتنا في طريقة صرف المال العام وفي الأولويات التي يمكن أن نوجه لها هذا المال...يمكن أن نحل الكثير من المشاكل التي نتخبط فيها لو أننا عملنا على ترشيد النفقات والعمل على محاسبة المتسببين في التسيب والحد من تبذير المال في أوجه لم تقدم لنا ولن تقدم لنا شيئا....

خاتمة:
في الختام نقول أن أزمة الكهرباء في الجزائر مشكلة مستعصية يرجع سببها لعدة أسباب تراكمية منها ماهو موضوعي ومنها ماهو واهي ....وهي مشكلة يمكن حلها إن تضافرت الجهود... جهود المسئولين ببذل مجهودات أكبر والبحث عن أنجع الطرق لحل المشكلة وترشيد المال العام وتوجيهه للمشاريع التي ترجع على الوطن بالمنفعة من جهة ومن جهة ثانية من خلال ترشيد المواطنين لاستهلاكهم لهذه المادة الحيوية....

ملاحظة:
من المصادفات أنني وأنا منهمك في كتابة هذا الموضوع انقطعت الكهرباء ولمدة تزيد عن النصف ساعة...مما اضطرني للتوقف عن الكتابة وانتظار عودة الكهرباء...