مجتمعٌ لا يُتقنُ استعادة غائبيه...

مجتمعٌ لا يُتقنُ استعادة غائبيه...
الخميس,20 كانون الأول 2012 الموافق 7 صفر 1434 هـ

يُظهرُ نزار دندش في روايتـــه (الهُويّة الثالثة) الصادرة عن دار الفارابي في طبعتها الأولى 2013 الوجهَ الإيجابيّ لعالم الفايس بوك، ولشبكة العلاقات التي يبنيها الإنسانُ من خلاله، ولتداعياتها... وكيفيّة اتّساعها وتشعبّها وصولا إلى تحقيقها غايةً إنسانية شغلت بالَ بطله زيّان، واستنفدت جزءاً لا يُستهانُ به من عمره، ألا وهي عثوره على إبنه البكر الذي أنجبه من الزوجة الأولى البلغارية الجنسيّة عبر الفايس بوك بالذات...
?يسلّط الكاتبُ، الذي يلعبُ دورَ الرّاوي للنّصّ المسرود، الضّوءَ على حياة زيّان الوالد منذ لحظة الفرح العارمة التي تمثلت بتقدمه أمام محكمة بلغارية بطلب الزواج من ماريا الحبيبة البلغارية، ليتتبعه بعد ذلك في خطّ أفقي، تتلاحق من خلاله جملةٌ من الأحداث محكومةٍ بمنطق التنامي المتسارع، بحيث تعدو السنّوات عجولةً بين يدي السّارد دون التّعمق في توصيف الحالات النّفسيّة المترافقة مع توالي الحدث..
?تُحيلُ الرواية على ثقافة منفتحة ثرية، تمثّلها شخصية زيّان المنحازة إلى فكرة القرية الكونية، المشبعة بالحسّ الإنساني المتقبّل لمصالحة الشرق والغرب على الصعيد البشري، بحيث نبيح لأنفسنا القول أنها رواية المصالحة، وتقبّل الآخر رغم أخطائه (فمارّيا مثلا تحترم زيّان، وتقرّ أمام إبنه سامي الشاب بأنّه رجلٌ محترم في مجتمعه، وفي صوفيا المدينة التي تعلم فيها... رغم إقدامها على مغادرة حياتها الأسرية معه دون إخطاره بذلك) وزوجته سمارة مثلا تُسرّ كثيرا لأنها اكتشفت أنه بات لولديها نورا وطارق أخٌ جديد ينتمي إلى الغرب، هو سامي، يشرّع الأبواب أمامهما إلى تلك الأنحاء من العالم، فتقف منه موقف الأم الحانية الحاضنة بدل أن تقف موقف زوجة الأب الرافضة المتنمرة... وهو الموقف المعتاد في مثل هذه الحالات.
وسامي يحب أخويه طارق ونورا سريعا، ويدعوهما إلى السفر إلى حيث يقيم ويسوح واياهما، ونورا بدورها تهيم حبا بأخيها الذي ظهر بعد طول غياب....
?هذه المصالحة تفسدها عودة الإبن إلى الوطن (عودة المستقر)، والغرق في شبكة علاقات المجتمع القائمة على المظهرية، والنّفعية، والتسويات... الأمر الذي يدفعه في نهاية الرواية إلى الفرار بعيدا، ومغادرته ارض الوطن ( في غيبة ربما تمتد إلى الأبد) باحثا لنفسه عن هوية ثالثة غير اللبنانية والبلغارية ( تاركا زوجته التي رفضت مرافقته لأنها لا تستطيع العيش خارج الوطن) مخلّفاً والده زيان في حسره، عيناه تدمعان من الحزن?
وبذلك يشكل حضور زيان، وولده سامي، في هذا المسرود الروائي، حضور النموذج الذكوري المتعلم المنفتح الواعي للتغيرات المقبل عليها بتنبه وبأناة، والطامح إلى علاقات إنسانية منفتحة يحسن التلاقي من خلالها، لكنما المجتمعي المحلي يأتي على الأحلام جميعاً... ويذروها نثارا.
يغيب التّخييلي عن الرواية لصالح الواقعي، وتتراجع الفنية لصالح الوعظية المباشرة أحياناً كما في ص 112، 113 ويبدو النص السردي محكوماً بعقلٍ واع يمسك بشريط الحدث، يدفع به إلى الأمام دونما تعمّق بنقل النبض الإنساني المأزوم نتاج العلاقات الإنسانية المتشابكة...?
استطاعت رواية نزار دندش أن تضعنا أمام مشهدية من مشاهد العالم الحديث، وأن تنتصر للموقف التنظيري التفاؤلي بالمنجز الحداثوي المتمثل بالفايس بـوك (حيث ينجح من خلاله باستعادة الإبن المغيّب عنه زمنا)...
لكنها وبواقعية متعقلة تنتهي نهاية حزينة تمثلت بمغادرة الإبن نهائيا الوطن الذي استعيد إليه، بسبب فساد مجتمع مضطرب لم يعرف بعد كيف يصنع استقراره... ولا هو عرفَ كيف يُتقن اجتذاب أبنائهِ الغائبين...
هدى عيد